أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الإنسحاب من بعض المناطق شمالي سوريا الكثير من اللغط وردود الفعل، خاصة بعد إعلان تركيا البدء في تنفيذ عملية عسكرية شمالي سوريا لتنفيذ منطقة آمنة لحماية نفسها من الجماعات المسلحة، وسط تحذيرات دولية وإقليمة منذ هذا القرار.
في حوار خاص لـ”بالعربية” مع المحلل الاقتصادي والسياسي السوري “يونس الكريم” أكد أن أكثر المتضرريين من قرار الإنسحاب الأمريكي هم الأكراد بينما روسيا وإيران بخلاف النظام السوري هم أكبر المستفيدين وإلى نص الحوار:
– برأيك هل الإنسحاب الأمريكي سيؤثر على الأوضاع في شمال سوريا خاصة فيما يتعلق بأوضاع الأكراد؟
طبعا الاوضاع ستتأثر وجاء قرار الإنسحاب الأمريكي ممثلا ورقة ضغط على الإدارة الذاتية (قوات سوريا الديمقراطية) التي تسيطر على شمال شرق سوريا، وهذه المنطقة تمثل 21 % من مساحة سوريا، والآن منطقة الإدارة الذاتية شمالي سوريا شبه محاصرة رغم غناها بكل الموارد، فهي تعاني من عدة نقاط ضعف من بينها سيطرة النظام السوري على بعض المدن الرئيسية، كذلك توجد كثير من المجموعات في المنطقة ما زالت موالية للمعارضة أو للنظام، بخلاف الإدارة السيئة من قبل الإدارة الذاتية الكردية لهذه المنطقة الواسعة لكنها ما زالت الأفضل من بين أسوأ الاختيارات.
وشكلت تصريحات الرئيس ترامب بالانسحاب من سوريا تأثيرا قويا على سكان المنطقة وعلى قوات الإدارة الذاتية وأن الرئس التركي رجب طيب أردوغان قد يدخل بين ليلة وضحاها هذه المنطقة، بالتالي شعروا بالارتباك رغم الأسلحة التي لديهم وقواعد التحالف الدولي الموجودة في أراضيهم.
لكن ما يقوم به ترامب ليس انسحاب ولكن انسحاب تكتيكي وتبديل لعبض القوات وتم تضخيم هذا الإعلان، فقد شعر الأكراد أن الأمريكان بدأو بالانسحاب، لكن القوات الموجود في منطقة تل أبيض وغيرها شمالي سوريا بها قوات التحالف الدولي وبها جنسيات كثيرة غير الأمريكية ما يمثل حماية لهم.
كما أن هذا الأمر شكل ضغط كبير على الإدارة الذاتية وشعرا أنهم وحيدون أمام النظام السوري والروس الذين يسعون للسيطرة على هذه المنطقة الغنية بالنفط والمياه والزراعة فبدونها ستكون استثمارات روسيا في سوريا بدون معنى.
– هل كان القرار الأمريكي مفاجئا أم تم بالتنسيق مع تركيا؟
لا أعتقد أن هناك تنسيقا بين تركيا والولايات المتحدة بشأن هذا الإنسحاب، فالأمريكان رافضين تدخل تركيا في منطقة شرق الفرات، لكن نتيجة ضغط الديمقراطين بعزل ترامب والتظاهرات في العراق مؤخرا للضغط على الأمريكان من ناحية والملف الإيراني من ناحية لذا ترامب أراد إرسال رسالة أن الحرب ليست بعيدة وأنه سيتخلى عن أهم شريك له في محاربة تنظيم داعش بالتالي عودتها من جديد.
لذا أرى أن الاتراك فوجئوا بانسحاب ترامب فبمراجعة الموقف وتفهم روسيا لتدخل تركيا نجد قبول ترامب بسهولة لهذا التدخل وتحدثه بكلام غير منطقي بإشعال المنطقة يأتي فقط لمحاولة إنقاذ نفسه مما يستهدفه في الولايات المتحدة وصرف الأنظار عنه.
– هل ستستطيع تركيا إقامة المنطقة الآمنة التي أرادها أردوغان بعمق 30-40 كم؟
الأتراك يريدون السيطرة على شمال سوريا بالكامل وليس هذه المنطقة فقط، وهناك سيناريوهات محتلمة بشأن هذه المنطقة بعد الإنسحاب الأمريكي وهي بقاء قوات التحالف الدولي إلى جانب وجود تركيا عسكريا للسيطرة على منطقة شرق الفرات وبقاء الوضع كما هو عليه، وانا أرجح تنفيذ هذا السيناريو.
لكن توجد مشكلة في من يرعى هذه المناطق إداريا، فروسيا وافقت على وجود منظمات دولية لهذه المنطقة، مقابل عودة النظام السوري لإدارة هذه المناطق وإعطاء بعض المناطق للأكراد كنوع من الإدارة الذاتية، لكن تركيا رفضت هذا المقترح ورفضوا وجود لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” تحت أي شكل من الأشكال.
والخلاف الآخر رفض الولايات المتحدة لعودة سيطرة النظام والمعارضة على هذه المنطقة، لكن الإدارة الذاتية الكردية قد توافق على تولي إدارة المنطقة بشكل مخفف لكن ستكون المدن الكبيرة ذات الغالبية العربية تحت إدارة المعارضة بوجود الأمم المتحدة.
السيناريو الثاني هو اتجاه الأكراد صوب روسيا والنظام لكن هذا الأمر أخاف الأمريكان لأنه سيؤدي لعودة إيران إلى الحدود مع تركيا وهذا الأمر أقلق الجميع لأنه بالغ الخطورة حتى تركيا رفضته، فوجود الإيرانيون يثير الرعب، كذلك أهمية منطقة الجزيرة السورية (شمال شرق سوريا) وهذا سيحول سوريا لمنصة عسكرية للدفاع عن النظام الإيراني، كذلك أقلق هذا الأمر روسيا لأنه ليس في صالحها وجود إيران في هذه المنطقة الاستراتيجية.
أيضا النظام فرض شروط قاسية لعودته، كذلك الروس لا يستطيعون السيطرة على هذه المناطق لقلة قواتها بالتالي ستكون إيران العمود الفقري لقوات النظام السوري في حال عودته للشمال السوري الأمر الذي لا ترغب فيه روسيا.
أما السيناريو الثالث وهو أن تكون شمال سوريا تحت سيطرة مجلس الأمن وهذا الأمر سترفضه روسيا خوفا من امتداد الفكرة لباقي مناطق سوريا ويضيع ما أنجرته هي والنظام منذ سنوات فهم يحاولون إبعاد الأمم المتحدة عن مناطق النزاع وجعل الصراع ينحصر وفقال لتفاهمات إقليمية ودولية.
معظم الآبار النفطية الغنية توجد في الحسكة والقامشلي ودير الزور وكذلك المياه ستكون في المنطقة الآمنة وبالتالي تفقد سوريا وروسيا أهم المناطق السورية في حال وجود تركيا في هذه المنطقة وإفقاد السيطرة على هذه المنطقة التي ستمثل له دعما اقتصاديا قويا بسبب ثرواتها النفطية والزراعية بخلاف المياه.
– ما هي توقعاتك لرد الفعل الروسي والإيراني شركاء تركيا في حال إقدام تركيا على التوغل في سوريا؟
روسيا وإيران يدعمون سيطرة تركيا على المنطقة الذاتية لإبعاد الوجود الغربي وبعدها سيكون من السهل إبعاد أنقرة ذاتها لأنها لن تقدر على مواجهة إيران وروسيا، كذلك تركيا طلبها بسيط وهي أن يكون شمال شرق سوريا تحت سيطرة النظام أو المعارضة مقابل القضاء على قضية الأكراد، وهؤلاء الثلاثة سيغرون تركيا بالعديد من المزايا والاتفاقيات والتفاهمات.
كذلك تريد أنقرة تنمية منطقة جنوب تركيا المحاذية للشريط السوري، واعتقد أن روسيا وإيران والنظام السوري سيقدمون اغراءات كثيرة لتركيا فإيران ستزودها بأسعار تفاضلية للنفط وتقديم اميتازات من قبل روسيا لها بخصوص مشروع “السيل الجنوبي” للغاز.
– هل يقدم الجيش السوري على الصدام مع تركيا أم يتم تأجيل الأمر وإدخال إيران وروسيا كوسطاء في الأزمة؟
قد يتم إقناع تركيا بأنها ستشارك في عمليات إعادة سوريا وهذا كفيل بجعلها تنسحب من المناطق التي ستدخلها شمال سوريا، فالنظام لا يستطيع محاربة تركيا لذا سيعتمد على الإغراءات عن طريق حلفائه وحتى نفسه عن طريق الوساطة الأمنية والاستخبارتية وتقديم معلومات عن “قسد” وقوات حزب العمال الكردستاني فيكمنه تقديم الكثير من قيادتهم لتركيا لذلك التفاهم سيكون استخباراتيا بدرجة كبيرة بخلاف الإغراءات السابق ذكرها.
فالأتراك ينتظرون التفاوض مع النظام السوري لإغلاق ملفات أتعبت تركيا كثيرا، كذلك يريد أردوغان تحقيق انتصارات اعلامية بخصوص معركته الانتخابية المقبلة.
– من المستفيد من انسحاب الولايات المتحدة تماما من سوريا؟ وهل سيساعد ذلك في حل الأزمة السورية الممتدة منذ عام 2011 أم سيزيدها تعقيدا؟
الخاسر هم المعارضة والإدارة الذاتية الكردية لأن انسحاب أمريكا سيقلب الأمور، والمستفيد هما إيران وروسيا والنظام السوري، كذلك قد تستيقظ خلايا نائمة للمعارضة لأنها لن تستطيع تحمل التنكيل الذي قد يطالها نتيجة دخول النظام لهذه المناطق سواء بشكل مباشر أو تسلمها من تركيا لاحقا ضمن صفقة بينهم.
وانسحاب الأمريكان لن يترك الأمان والراحة لسوريا كلها لأن عودة سيطرة النظام يجعله الأقوى وتبقى محافظة إدلب كسجن جماعي ويعني انتهاء الحل السياسي، فروسيا تريد تطبيق الحل الشيشاني بسوريا وكما جرى في البوسنة.
– هل الجماعات الكردية المسلحة في شمال سوريا قادرة على التصدي للتوغل التركي؟
الجماعات الكردية غير قادرة على التصدي للتوغل التركي، وسوف تعتمد على أسلوب حرب العصابات واللجوء لعمليات الخطف وهو أسلوبها منذ السبعينيات وقد تتحول المنطقة شمالي سوريا إلى حرب عصابات أهلية تعيد سوريا لنقطة الصفر.
– هل تسعى تركيا لتنفيذ منطقة آمنة فعلا أم تهدف لاقتطاع أراضي من سوريا بالتعاون مع بعض الجماعات الموالية شمالي البلاد؟
هذا الصعب الإجابة عليه لأن تركيا لا تعلم ما تريد من الأساس، فتركيا مثلا في عملية تجنيس السوريين الذين جأو إليها جنست فقط من لديه أملاك في شمال سوريا من أجل السيطرة عليها لاحقا بغض النظر عن شهاداتهم وبعد ذلك تم تجنيس المعلمين لتعليم السوريين عندما يعدون مال سوريا وهم بذلك مجنسين ويدينون بالولاء لتركيا.
وتركيا من الجهة الأخرى لا تهدف للسيطرة على شمال سوريا لصعوبة هذا الأمر، فالأوروبيون لا يريدون ذلك، كذلك روسيا وإيران لا يرضون بهذا الأمر لذا تريد أنقرة من هذا الأمر تحويل المنطقة آمنة لشريط دفاع عن تركيا وجحز نفوذ مستقبل لها في سوريا.
فحجز مكان بسوريا المستقلبية سيؤدي لتنشيط الصناعة التركية لحجز مكان لها بدمشق لكنها لا ترغب في اقتطاع أراضي سورية وضمها لها، فهي تريد السيطرة على الشمال كمنطقة نفوذ وليس اقتطاع لمنع وصول النفط الكردي في كردستان وغيرها من مناطق عبر البحر المتوسط.