غفل الاتفاق بين غرفة تجارة حلب والمديرية العامة للجمارك التابعة للنظام عن تلبية المطالب المستعجلة لعشرات التجار الحلبيين المتضررين من حملتي المداهمة التي نفذتها الجمارك السرية نهاية العام 2020 في عدد من الأسواق الرئيسية في المدينة، ويطالب التجار المتضررون بضمانات ووعود جدية من الجمارك لإعادة افتتاح محالهم المغلقة بسبب حملات المداهمة، وإطلاق سراح المعتقلين منهم، ورد الاعتبار لبعضهم ممن تمت إهانته وضربه على يد عناصر الدوريات، والأهم من ذلك إلغاء المخالفات والغرامات الكبيرة التي فرضت على التجار بتهمة حيازة بضائع مهربة، في حين ركزت بنوده المعلنة في 10 كانون الثاني/يناير على ملامح المرحلة القادمة في العلاقة بين الطرفين، غرفة التجارة والجمارك.
يبدو أن الاتفاق يوفر للغرفة التي تتزعمها “قائمة الشهباء التجارية” التابعة لمجموعة قاطرجي الدولية ومالكها عضو برلمان النظام، حسام قاطرجي، مزيداً من الهيمنة والنفوذ، فعلى الرغم من أن الموقف المعلن لمجلس إدارة الغرفة يظهرها كجهة منحازة لمطالب التجار الأعضاء المتضررين إلا أنه لا يعكس حقيقة الصراع داخل غرفة التجارة بين طبقتين من التجار، وهما طبقة التجار الجدد (أمراء الحرب)، وطبقة التجار القدامى (تجار حلب التقليديين) وتجار الطبقة الثانية هم من وقع فعلياً ضحية لحملات الجمارك، والتي كانت مدفوعة أيضاَ لتحقق أهداف مفترضة لجهات أخرى، ومن بينها جمع مبالغ طائلة من الضرائب والمصادرات لدعم خزينة النظام، وثانياً فرض الطاعة على طبقة لا يستهان بها من التجار، وذلك لصالح تيار اقتصادي ناشئ تتزعمه زوجة رئيس النظام، أسماء الأسد، وذراعها التنفيذية، متمثلة في رجل الأعمال الذي شاع اسمه كثيراً خلال العام 2020، خضر طاهر (أبو علي خضر).
صدمة الحملة الثانية
يبدو أن حملة الجمارك السرية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 على عدد محدود من المحال التجارية في أسواق حلب لم تحقق الأهداف المرجوة منها لذلك كررت حملتها في ليلة رأس السنة 2021 مستهدفة أكثر من 150 محلاً تجارياً موزعين على عدد أكبر من الأسواق وسط حلب، وذلك بعد ساعات قليلة من مغادرة وفد حكومة النظام لحلب والذي كان بزعامة رئيس الحكومة، حسين عرنوس.
صادرت دوريات المداهمة كميات هائلة من البضائع (الألبسة والأدوات الكهربائية والمنسوجات وأدوات التجميل والعطور ومواد التنظيف)، واعتقل عناصر الدوريات العدد الأكبر من أصحاب المحال واعتدوا عليهم بالضرب، وتم نقلهم من حلب إلى دمشق بحافلات النقل الداخلي، وهو ما شكل حالة من الصدمة في الوسط التجاري الحلبي، وساد شلل شبه كامل في أسواق المدينة والذي ما تزال أثاره موجودة حتى الآن. على أية حال لم يجد التجار المستهدفون تفسيراً للحملة الثانية التي شنتها الجمارك، وبدت التطمينات التي حصلوا عليها من المحافظ ووزارة المالية ورئاسة الغرفة بعد الحملة الأولى بمثابة فخ سرع في توجيه الصفعة الثانية والتي كانت أشد وأكثر إيلاماً.
وسط الجدل المحتدم في الوسط التجاري بحلب هذه الأيام لا أحد يمتلك الجرأة لكي يوجه أصابع الاتهام لجهات بعينها متورطة ومسؤولة عما يحدث، وكما جرت العادة لجأ المتضررون إلى توجيه مناشدات لبشار الأسد لكي يساندهم في محنتهم، وتلخص تصريحات كمال الجفا، المقرب من النظام والميليشيات الإيرانية، تفاصيل المظلومية والمطالب.
يقول الجفا، “حملات الجمارك والمكتب السري لم تتعرض لها مدينة سورية، وابتزاز التجار والمستوردين من قبل عناصر المكتب السري لم يمر على تاريخ سوريا، الحملات تعتبرها الجمارك إنجازاً لمصلحة الخزينة، يقول لي معظم التجار الذين صودرت أموالهم وبضائعهم أنهم دفعوا ثلث المبلغ لخزية الدولة وثلثي المبلغ رشوة لعناصر الدوريات التي ضربت ضربتها الأخيرة في حلب وكانت الأقسى على كل المجتمع الحلبي منذ بداية هذه الحرب”، ويضيف “حلب تحتاج إليكم يا سيادة الرئيس وإلى تدخلكم وحلب تحتاج لفتة وعناية وزيارة من طرفكم، حلب بأمس الحاجة إليكم وخاصة في هذه الظروف المأساوية التي تعيشها”.
مصادر خاصة في غرفة التجارة قالت لموقع “تلفزيون سوريا”، أن” مجموعات تتبع لمليشيا (أبو علي خضر) أو الغوار كما يطلق عليها في حلب، شاركت في الحملة الثانية للجمارك، وبدا أن الجمارك كان لديها قائمة محددة بأسماء التجار الذين تنوي مداهمة محالهم، وكان لدى بعضهم شهادات منشأ ببضائعهم المستوردة أصولاً، والجزء الأكبر من البضائع المصادرة لم يكن بضائع تركية مهربة وهو الاتهام الشائع في حملات الجمارك الأخيرة بحلب، جوزيف فنون، هو صاحب محل لبيع المجوهرات التقليدية في ساحة العزيزية داهمت الجمارك محله، وصادروا 170 حقيبة، 20 منها محملة بالنظارات الشمسية والساعات، وفيها بيانات جمركية نظامية لبضائع مخلّصة في دمشق وحلب”.
خضر طاهر (أبو علي خضر).. الواجهة التنفيذية لنادي أسماء الأسد الاقتصادي
ظهر اسم خضر طاهر (أبو علي خضر) خلال العام 2020 كرجل أعمال بارز يدير مجموعة كبيرة من الاستثمارات والشركات، أهمها شركة إيلا للسياحة، إضافة إلى مشاركته في تأسيس شركة الياسمين للمقاولات ويمتلك 90% من أسهمها، ويرأس مجلس إدارة الشركة السورية للإدارة الفندقية، وأطلق مطلع العام 2019 شركة إيما تيل للاتصالات، أما الاستثمار الأهم لأبو علي خضر والتي كانت المصدر الأول لثروته، كان في شركة القلعة للحماية والحراسة والخدمات الأمنية والتي تأسست في 2017 بناء على المرسوم التشريعي رقم 55 الصادر عام 2013، والخاص بمنح التراخيص لشركات خدمات الحماية والحراسة، وحازت شركته منذ تأسيسها على عقود لإدارة معابر وممرات التهريب وكامل عمليات حراسة ومرافقة القوافل التجارية في مناطق النظام، وبإشراف مباشر من مكتب أمن “الفرقة الرابعة” التي يتزعمها شقيق رأس النظام، ماهر الأسد.
ومع بداية العام 2019 بدأ أبو علي خضر يظهر كجهة لها ثقل كبير في المنظومة الاقتصادية والأمنية لنظام الأسد، وذلك بعد أن كسب المواجهة مع وزير الداخلة حينها، محمد الرحمون، والذي أصدر قراراً، في 21 من شباط/فبراير من نفس العام، طلب فيه منع التعامل مع خضر أو دخوله للوحدات الشرطية أو استقباله لأمور شخصية، وبعد أسبوعين اضطر الرحمون الى العدول عن قراره، وأصدر قراراً في 10 من آذار/مارس، ألغى فيه مضمون القرار السابق وطلب إتلافه بعلم قادة الوحدات، وفي العام 2020 عرف خضر بأنه الواجهة التنفيذية للنادي الاقتصادي الناشئ والذي تتزعمه أسماء الأسد، وفي العام ذاته بدا خضر أكثر ميلاً لروسيا بعد أن نفذ أوامرها الخاصة بتنظيم حركة الحواجز وعمليات “الترفيق” وحركة المعابر وممرات التهريب.
الباحث الاقتصادي، يونس كريم قال لموقع “تلفزيون سوريا”، إن “كون حلب عاصمة للاقتصاد السوري وهي قريبة من مناطق سيطرة المعارضة، أي قريبة من منافذ وممرات التهريب ويتم عن طريقها إجراء أكثر العمليات المالية لسعر الصرف، وتهريب البضائع من الشمال السوري نحو الداخل وبالتالي هذا شكل كتلة مالية ضخمة لدى شريحة كبيرة من التجار، والنظام بحاجة إلى هذه الأموال، وقد أسفرت الغرامات المالية المدفوعة من تجار حلب للنظام عن التهرب الضريبي عن 18 مليار ليرة العام الفائت” وأضاف كريم، أن “الأهمية تبرز في سحب الكتلة النقدية من العملة السورية، وتحديد الطلب على سعر الدولار”.
وأضاف “تبدو حملات المداهمة في حلب بالتعاون بين علي خضور وجمارك النظام وهي أولاً لمعاقبة وتطويع تجار حلب وضمان ولائهم تحت الضغط والتخويف، خضور يمثل رأس حربة اللوبي الاقتصادي الذي تتزعمه أسماء الأسد والتي تريد ضمان هيمنتها في حلب وخلق طبقة من التجار الموالين لها بديلا عن فشلها مع تجار دمشق”.
وأشار كريم إلى أن “قانون الجمارك مبني على المرسوم رقم 13 لعام 1974 بما يخص التهرب الجمركي، يحاول النظام من خلال الضغط على التجار خلق ظروف لإعادة طرح مرسوم القانون للنقاش مجدداً، وإجراء تعديلات عليه تخدم النظام في اقتصاده الجديد، يقول أحدهم إن النظام يستطيع أن يغير قانون التهرب الضريبي بشكل يخدم مصالحه من دون الحاجة لهذه الحملات والضغط، لكن في الحقيقة هو بحاجة لمثل هذا التكتيك، لأن اقتصاد البلد تديره تيارات اقتصادية ذات خلفيات وداعمين مختلفين، لذلك لا بد من تقديم أسباب منطقية لإجراء مثل هذا التغيير”.
ولفت كريم إلى أن “هناك مساعيَ لرسم الاقتصادي السوري من جديد، وتحويل المدن الكبيرة كحلب ودمشق، كملاذات ضريبية آمنة لتشجيع الاستثمار ودخول الأموال وخروجها بما يتلاءم مع سياسات النظام، ويساعد أيضاَ في عمليات غسيل الأموال لأمراء الحرب التابعين للنظام” وفيما يخص مجموعة القاطرجي التي تهيمن عبر قائمتها على غرفة التجارة، قال كريم “منحها الاتفاق الأخير نفوذ أوسع، وبالتالي يمكن أن نقول إنها انضمت رسمياً إلى النادي الاقتصادي الذي تؤسس له أسماء الأسد، والتي تبدو من خلال مساعيها تضع حلب في قائمة اهتمامها لخلق طائفة اقتصادية موالية لها تنافس رامي مخلوف الذي استحوذ على تجار دمشق والذين يبدون مقاومة في الانضمام لنادي أسماء الأسد، والتي تعي أنه من المهم الاستفادة من ثقل حلب الاقتصادي لمواجهة النادي الاقتصادي الذي يتزعمه رامي مخلوف، والذي يتركز في دمشق، لذلك ستواصل سعيها لتحقيق الطموح المفترض، وقد نشهد حملات متكررة وأساليب ضغط متنوعة في حال لم يذعن تجار حلب ويعلنوا الطاعة”.
وأضاف كريم أن “المبررات التي تقدمها الجمارك حول مكافحة التهريب لا تبدو مقنعة، فالنظام غير قادر على الاستغناء عن البضائع التركية المهربة لأنه ببساطة غير قادر على تأمين بديل وبكلفة أقل، لذلك سوف يستمر تدفق البضائع التركية وتحت عين النظام”.