ولماذا طرح النظام صيغة التشاركية طالما كان يعمل وفق نظام B.O.T ، وما أثرها، ولمعرفة ذلك لابد من المرور بتعريف كل منهم على حدى.
نظام BOT وهو اختصار لـ (BUILD OPERATE TRANSFER) والتي تعني بالعربيّة البناء والتشغيل والتحويل بالإضافة إلى نقل الملكيّة أو التشييد، حيث يتم قيام مستثمر من القطاع الخاص بعد إعطائه الترخيص من الجهة الحكوميّة المختصّة من أجل تشييد أو بناء مشروع وتستخدم هذه الصيفة مع البنى التحتية عادة، ممّا يعني أن نظام (BOT) هو آليّة التمويل من أجل إنشاء البنيّة التحتيّة والأساسيّة في مجال معيّن بعيداً عن موارد الحكومّة، وهو أحد الوسائل المناسبّة من أجل التمويل بدون المساس بموازنّة الدولّة، بحيث يقوم المستثمّر بتحمل الأعباء المالية للمشروع، ويكون بصورّة مؤسسة أو شركّة دوليّة أو محليّة للقيام بالمشروع، وذلك يكون بمقابل عوائد مالية تحصّل نتيجة التشغيل،
أما التشاركية فهي تغير بالنظام الاقتصادي، تجعل القطاع الخاص شريكاً للدولة في إدارة عمليات الإنتاج والاستهلاك وتوزيع الموارد في مجتمع ما.
أي أن نظام التشاركية هو الخطوة التالية من ادخال القطاع الخاص إلى الحياة الاقتصادية للدولة السورية بعدB.O.T حسب التسمية السورية، وهو الاستيلاء على القائم منها، حيث الأولى كانت الحجة فيها عدم قدرة الدولة على انشائها بسبب عدم توفر الأموال، والثاني هو فشل المؤسسة إما بالإدارة أو لكونها خاسرة تشكل عبئ على موارد الدولة وحصر الحلول بالتشاركية على أساس أن التشاركية ليست ذاتها الخصخصة، بل أبشع من الخصخصة بالشكل السوري، وهو ما سوف نناقشه تالياً، فقد تم اقتراح نظام التشاركية كبديل عن نظام اقتصاد السوق الرأسمالي المعولم، وبديلاً أيضاً عن النظام الاشتراكي المخطط مركزياً، وهناك من يصفه بأنه يمثل رؤية اقتصادية فوضوية فهو يمنح مؤسسات القطاع العام بكل مكوناتها إلى القطاع الخاص بأرخص ثمن والذي يعتمد بشروط التفاوض على مدى وجود حكومة يمكن محاسبتها أو مجلس شعب يمكنه دراسة شروط التشاركية، لذا سميت بالفوضوية فلا أطّر تقونن العملية، ففي سورية تم وضع إطار التشاركية وفق القانون الذي سمي بقانون التشاركية رقم 5 لعام 2016 والذي نص أن التشاركية بسورية “علاقة تعاقدية لمدة زمنية ومتفق عليها بين جهة عامة وشريك من القطاع الخاص يقوم بموجبها الشريك الخاص بالاستثمار في واحد أو أكثر من الأعمال الآتية: تصميم أو إنشاء أو بناء أو تنفيذ أو صيانة أو إعادة تأهيل أو تطوير أو إدارة أو تشغيل مرفق عام أو مشروع لدى الجهة العامة وذلك بهدف المساهمة في تقديم خدمة عامة أو أي خدمة تتوخى المصلحة العامة مباشرة إلى الجهة العامة المتعاقدة أو نيابة عنها إلى المستفيد النهائي” ، حيث يلاحظ أن القانون لم يذكر حجم التشارك (التمويل) أو نسبته أو طبيعة العلاقة بين القطاع الخاص والعام، رغم أنه قد أشار إلى انشاء شركة بينهم كونها من أساسيات التشارك لكن غير ملزمة فقد ورد بالمادة 14 بعبارة “التي تؤسس “حين الاقتضاء” لغرض وحيد هو تنفيذ عقد التشاركية”، كما أن القانون اعطى للقطاع الخاص فرص للدخول باي مشروع للدولة وبتعداد المهم دون أي قيود والتي مجملها تعطيه حق الإدارة، والحجة تقديم خدمة، وهو من اساسيات أي عمل تجاري تقديم خدمة، وهذا ما ذكره صراحة بالمادة ب/المادة 2 “ضمان أن تكون الخدمات المقدمة عن طريق هذه التشاركية قائمة على أسس اقتصادية سليمة وكفاءة عالية في الأداء وأن تقدم بالاسلوب الأنسب وتحقق قيمة مضافة إلى الموارد المحلية”. أما كيف وماهيتها وشروطها فتركها على حرية التعاقد، تهرباً من الالتزام والتقيد.
عدا أن القانون نفسه يحمل في طياته التباسات غريبة مثل “مشروع ذو طبيعة معقدة والتي حددها بـ لا يمكن فيها للجهة العامة المتعاقدة تحديد المعالم الأساسية أو الفنية أو الوظيفية أو المالية أو القانونية أو غيرها تحديدا دقيقا منذ البداية”. فكيف يتشارك شخص لايعرف ما يحتاجه مشروعه، هذا النوع اسمه التخلي مقابل الأجر وهذا ما ظهر بالمادة23 التي ذكرت ذلك صراحة “القيمة مقابل المال. المنفعة الصافية المتحققة للجهة العامة المتعاقدة خلال المدة المحددة للمشروع في مقابل استخدام المشروع أو تقديم الشريك الخاص الخدمة حسب عقد التشاركية وتقاس من حيث الكلفة أو السعر أو الجودة أو تحسين أو تكييف الخدمة أو نقل المخاطر أو جميع أو بعض هذه المعايير مجتمعة”. وهذا الطرح ذاته الذي ورد بكتاب عبدالله دردري عند طلب شركة العامة للصناعات المعدنية بردى المساعدة بالحصول على قرض 2006!
الشيء الآخر ذكر القانون “للمجلس حق منع أي جهة عامة متعاقدة من التوقيع النهائي على عقد التشاركية، يرتبط بأي مشروع لا يحقق القيمة مقابل المال أو لا يفي بالمعايير الدنيا التي يضعها مكتب التشاركية”. فلم يشير إلى أساس قيمة المشروع، ولا نوعية الخدمات والهدف منها، إنما حصر هدف التشاركية بالمال، ما يعني الهدف هو الربح، وبالتالي الخصخصة، إضافة إلى أنه معظم القطاع العام رأس ماله مقيم بالليرة، ومنذ فترات بعيدة، والآن لا قيمة لها مثل بردى التي حاولت قبل الثورة رفع رأس مالها ولم تنجح وبالتالي التشاركية على أي أساس سوف تتم؟، إذ لم يطلب إعادة تقييم قيمة القطاع العام قبل طرحه على التشاركية، ويمكن هنا تفسير لماذا مقاومة أي طلب زياجة لرأس مال القطاع الحكومي أو إعادة تقييمه، أي أن الأمر مبيت منذ زمن، وما كان يحدث هو انتظار الوقت المناسب.
كما أن اتفاق بردى مع الشريك الايراني “امرسان” يخالف قانون التشاركية، والذي نص في أحد بنوده ضمناً أن إعلان رسمي حول نية التشارك وتأتي العروض لفضها حيث جاءت المادة (11) للجنة تقييم العروض:
أ- تشكل الجهة العامة المتعاقدة لكل مشروع تشاركية فيها لجنة لتقييم العروض واختيار العرض المناسب وفق أحكام هذا القانون، وذكر بمكان آخر “مبادئ العلانية والشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص والمنافسة والتناسب والتوازن وحماية المصلحة العامة وحماية الحقوق الخاصة وحماية البيئة والتنمية المستدامة وفق أحكام هذا القانون”، وهذا الأمر غير واضح بالتعاقد مع شركة “امرسان” الايرانية.
وهو ما لم يحدث مما يمهد أن يعطى كل شركات القطاع العام على مبدأ هذه التشاركية سواء لإيران وإمراء الحرب لغسيل أموالهم بحجة خسارتها وعدم القدرة على تقديم خدماتها ليدخلوا بكيان الدولة، وبالتالي أي حل سياسي بين النظام والمعارضة يصبح عبارة عن خوار لا معنى له حيث مؤسسات الدولة تكون بشكل فعلي قد تم تسليمها قانونياً لهم، وهو أمر بالغ التعقيد للخلاص من هذه العقود، لكن يكون لدى الحكومة الانتقالية القدرة على مراجعة أو إلغاء العقود لأسباب اقتصادية وسياسية.
كما أن إيران تهدف من استثمارها في بردى هو اسم بردى بذاته المرتبط باهم معلم بدمشق تاريخياً، لمحاولة التلاعب بالعاطفة السورية على أن إيران باتت المسيطرة على دمشق مما يسهل قيادة المجتمع السوري. وأن السيطرة على بردى من خلال الإعلان على النظام التشاركي إنما يعيد بنا الذاكرة إلى الإعلان عن قيام اقتصاد السوق الاجتماعي الذي عمل على إفقار الناس، كما هو إعلان أن الطبقة السياسية باتت طبقة اقتصادية وهذا بالاقتصاد اسمه اقتصاد رأسمالي معولم، وإن كنت اجد ان النظام لن يسمح للإيراني باستثمارها ، انما سوف تستثمرها الطبقة الإقتصادية الجديدة التي تديرها اسماء الاسد.
لماذا اختارت إيران صيغة التشاركية وليست صيغة B.O.T ؟
78