45
الانخفاض الكبير في الليرة التركية بات يهدد اقتصاد تركيا، لدرجة أن تركيا باتت تستخدم خط الدفاع الثاني لديها وهو علاقاتها الدولية لمحاولة دعم اقتصادها ، فمن لقاء ايلون ماسك إلى القارة الأفريقية الى دول الخليج ، اتصالات مكوكية هدفها تفعيل هذه العلاقات بما ينقذ الليرة التركية .
قال الخبير الاقتصادي ” يونس كريم “:
أن اسوأ شيء يقوم به المحللين الاقتصاديين في تفسير واقع الليرة التركية استخدام مصطلحات السياسيين كما هو الحال اليوم بسردية الفائدة الربوية وغيرها من هذا الهراء.
وأضاف “تركيا تتجه نحو معدل فائدة شبه صفرية هدفها اخراج الليرة من دائرة المضاربات وجعل التركي اقتصاد إنتاجي بدل ريعي حتى السياحة ستتحول الى صناعة وليست البقاء في أطار المواسم ، وهذا شأن الدول الكبيرة المتقدمة وهذا هو المقصود به بالفائدة الصفرية، فلا تعد النقود أكثر من أداة تداول ، والاتجاه الى هذا الأمر سوف يسحب التضخم نحو معدلات منخفضة نظريا ً.
لكن تركيا لم تستطع تحقيق ذلك لأسباب كثيرة منها:
1. عدم وجود حلفاء ، فحلفائها الافتراضين هم منافسوها بملفات السياسية ، فلا لغة مشتركة تجمعهم ، وإنما مواقف وتبادل مصالح بالحد الأدنى فلا سياسات استراتيجية و مؤسسات ترسم الاهداف لهذا التجمع ، وهذا الخطأ لا تتحمله تركيا فقط، إنما الدول الاخرى هي الاخرى التي لها علاقة مع تركيا تعاني ببنيتها الهيكلية.
2. طبيعة اقتصاد تركيا ،لا يستطيع أحد نكران القفزة النوعية بالصناعات المتقدمة سواء طائرات دون طيار أو بعض الأسلحة وحتى السفن ، إلا أنها صناعات ناشئة تعتمد على مكونات من دول تجد بتركيا عدو محتمل لها ، كما أنها لم تسعى إلى الاستثمار بهذه الصناعات خارج حدودها .
3. الصناعات التقليدية من النسيج إلى الغذائية و الأدوات المنزلية تعاني بسبب سلاسل التوريد كما أن المنافسين استفادوا من ظروف الحرب بالشرق الأوسط لضخ اموال وخبرات وعلاقات الدول التي تعاني من الحروب باقتصادها مثل مصر ، في حين فشلت تركيا في ذلك .
4. السياحة ، على الرغم من التقدم الكبير بالسياحة ، إلا أنها لازالت تعاني من المزاجية فلا قانون واضح يحاسب على الأضرار بالسياحة ، فالسياحة التركية يتحكم بها العرف المتوارث والقومية والنظرة الاستباقية للأتراك تجاه السياح وحتى الخلافات السياسية الداخلية اثرت بها ، لدرجة أن هذه العوامل منعتها من التحول الى صناعة حقيقة .
5. الصناعة الطبية، رغم النهضة التسويقية الكبيرة والأبنية الضخمة للصناعة الصحية ، إلا أنها لازالت بدائية ، ويعود ذلك إلى الفشل باستقطاب مخابر صحية عالمية للإقامة في تركيا إضافة إلى دعم الصحة بتدريب كوادر حقيقة ، وما يقال عن الصحة يقال عن كثير من الصناعات الاخرى .
6. الهشاشة السياسية والتي زادت منذ الانقلاب ٢٠١٦ ، فلم تستطع تركيا تجاوزها و إيجاد قاعدة حوار مع الانقلابين ، بل على العكس يمكن اعتبار الانقلاب قد نجح فعليا من خلال إفشال سياسات الحزب الحاكم وتردي الوضع الاقتصادي .
7. اختيار التوقيت الخطأ بالنسبة لإمكانيات تركيا ، فهي اختارت ظروف كورونا على اعتبار أن الطلب العالمي ارتفع مع حالة السبات التي دخل بها اقتصاد الدول الكبرى ، وكانت فرصة لتوسعة حجم الطاقة الإنتاجية للاقتصاد التركي من خلال تخفيض العملة، لكن هذه الفرصة قوضتها سلاسل التوريد والتغير بسلوك الاستهلاك عدا التجاذبات بسوق الطاقة التي تستورد تركيا منه ٩٥%، كلها كان لها أثر بالغ بواقع الاقتصاد التركي .
الاقتصاد التركي يمر بمرحلة خطيرة
مع تجاوز معدل التضخم ٢١% بينما تم تحديد معدل الفائدة ١٤% ، فإن الاقتصاد يخسر مع كل تحويلة من الليرة للدولار بمقدار ٧% اذا تم الاعتبار انّ الأسعار بقيت ثابتة وتكاليف الإنتاج ثابتة ، لكن الأسعار ترتفع بوتيرة عالية حيث تغيرت مقارنة بالدولار بين ٢٠١٦ و٢٠٢١ ب ٤٤٦.٦% وهي مرشحة للازدياد.
والخطورة بانهيار سعر صرف الليرة تكمن ب :
١_ انخفاض القدرة الشرائية للمواطن التركي ، وبالتالي السوق يدخل بمرحلة ركود تضخمي ، وتفقد السياسات التي بنيت من أجل الفائدة الصفرية جدواها.
٢_ تأثر مدخلات الانتاج وعلى راسها النفط التي تستورده تركيا حيث بلغ سعر النفط فوق 70 دولار للبرميل الواحد والغاز ارتفع لمستويات غير مسبوقة وأغلب قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي تحتاج للطاقة رخيصة لتبقى منافسة .
٣_ اختلال التركيبة الجغرافية وبالتالي تأثر الصناعة بتغير الناس لأماكن إقامتهم الذين يبحثون عن فرص عمل وهذا يؤثر على توفر العمالة وأنماط الاستهلاك.
٤_ تكاليف الطباعة العملة التركية لتوفير السيولة بالسوق وهي كلفة لا يستهان بها حيث كثير من فئات العملة باتت كلفتها اكبر من قيمتها وخاصة الفئات الصغيرة ، كما أن الليرة بدأت تفقد دورها كمدخر للقيمة فيعتمد الناس الى الهروب إلى وسائل أخرى أهمها الذهب و الدولار وهو ما يجبر الاقتصاد التركي على استنزاف نفسه والفشل في أي اصلاح عبر السياسات النقدية .
٥_ الضغط على المواد الغذائية التي تعتبر أيضاً محدودة ، فتتحول تركيا لسوق تبضع رخيص، فيضغط العرض الذي بات الطلب وهو يزيد من التضخم الذي سوف يؤثر على قدرة الأفراد على الحصول على السلع الاساسية وتنوعها أي تغير أنماط الاستهلاك .
٦_ الزيادة من الهشاشة السياسية وهذا خطير جدا، ويشكل عبء على حيادية المؤسسة العسكرية التي سوف تصل الى نقطة تتدخل فيها.
٧_تحول نظام تركيا من رأسمالية الدولة الى رأسمالية الأفراد، وهو ما يعني دخول الأجانب بهذا التملك وهذا يفشل التوقعات حول دور تركيا بقيادة رأسمالية الدولة عالمياً لمواجهة رأسمالية الأفراد وبالتالي تفقد السياسات التركيا القدرة على تحقيق اهدافها .
إن العوامل السابقة تشترك في أن الخطط الاستراتيجية على المدى المتوسط والطويلة باتت غير ممكنة بتركيا الآن …
أما عن الحلول التي أمام تركيا فيمكن حصرها بعدة نقاط :
١_ ايجاد حلفاء للنظام سواء داخل بالتحاور الداخلي وحل قضية الانقلاب واقامة جبهة داخلية صلبة بدل التصيد الانتخابي ، او الخارجي وبدأت فيه تركيا، وهنا لابد من الاشارة الى ان اي دولة نفطية او غازية من حلفاء تركيا الافتراضيين اذا ما اعلنت عن قبول الليرة تركية ببيع النفط او الغاز فانه يعتبر طوق النجاة لليرة .
٢_ اعادة تنظيم البنية القانونية للاقتصاد التركي كون السلطة السياسية تستطيع ذلك لتطمين السوق وهذا يستدعي إعطاء استقلال ولو جزئي ولكن حقيقي للسياسات الاقتصادية.
٣_ تقدم حقيقي لحل المشاكل السياسية الخارجية التي تتضمن تواجد تركي فيها ، بالتركيز على قضية قبرص والجرف القاري وحدودها مع اليونان ، وليبيا ، و القضية السورية ، ولعل أهمها القضية السورية كونها بوابة لحل المشاكل الأخرى، وهذا منوط بممارسة تركيا لدور حقيقي من هيكلة المعارضة ورفع الدعم عن الفاسدين من المعارضة ، مما يسمح بتدفق الأموال المانحين واستثماراتهم باتجاه تركيا ، كما يجعل تركيا حيادية بالنسبة للصراع الروسي الأمريكي ، الاسرائيلي الإيراني .
الخطوت حقيقة بالملف السوري
دون خطوات حقيقية بالملف السوري، ستبقى تركيا بالنسبة للأوربيين بلد غير حيادي يلعب بورقة اللاجئين لا أكثر ومخيم كبير للسوريين.
أن ما تحصل عليه تركيا من مساعدات لإبقاء السوريين لا يفيد باستقرار الاقتصاد وجذب الشركات وإنما تدخل بصراعات الملف السوري المعقدة كطرف منحاز وليس كشريك حل .
إن تأجيل اتخاذ تركيا لخطوات الحل الاقتصادي ، سوف يزيد من تدهور الاقتصاد وجعله ورقة بيد التراشق السياسي الذي سوف يحمل الليرة التركية أصفاراً مذكراً الاتراك بسنوات المرارة ..
وقد يعجل من استخدام تركيا للخطوة الثابتة وهي أموال الاستثمارات بالخارج دون أن تفيد بالحل اكثر من تأجيل انفجاره، خاصة بعد ان انخفض الاحتياطي التركي الى ١٢٢ مليار دولار ٢٥٠ مليار دولار بعد ان باع ١٥٩ طن دهب لديه خلال ٧ اشهر الماضية مشير الى انخفاض الذهب من ٤٦٩ طن إلى ٣١٠ ، والمرشح الى مزيد من الانخفاض نتيجة اكتناز المواطنين للذهب خوفاً على مدخراتهم ، وذلك في سياق محاولة المركزي دعم الليرة المستنزفة .
وان ملاحقة تركيا لمعدل الفائدة كسياسة نقدية بمعزل عن السياسات الحكومية لن يقود الى تحسن الليرة التركية ، وان الحل هو بسياسات الحكومية .