الرئيسية » الخبز في مناطق الإدارة الذاتية.. بين الصراع السياسي والفساد

الخبز في مناطق الإدارة الذاتية.. بين الصراع السياسي والفساد

بواسطة يونس الكريم

اقتصادي:

تعاني الأفران في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا من طوابير شبيهة بما تعانيه مناطق سيطرة النظام السوري، نتيجة عدم توفر مادة الطحين التمويني لإنتاج الخبز، وهو ما انعكس على حجم إنتاج هذه المخابز.
وكانت مناطق الإدارة الذاتية تنتج ٤٥% من القمح السوري قبل عام٢٠١١، وارتفع الإنتاج إلى مايقارب ٧٠% خلال الفترة من 2012 إلى 2017، بعدما دمرت آلة الحرب المناطق الزراعية في باقي المحافظات السورية.
ولسد حاجة مناطق الإدارة الذاتية من الطحين التمويني، والذي سمته الإدارة الذاتية بـ”احتياطي المحصول الاستراتيجي”، أعلنت هيئة الاقتصاد في “الإدارة الذاتية” هذا العام نيتها استيراد كميات من القمح تقدر مبدئياً بـ ١٠٠ ألف طن .

أسباب العجز:

للعجز أسباب كثيرة، منها ما هو مرتبط بالوضع الاقتصادي الدولي وارتفاع أسعار القمح العالمية، إضافة إلى مشاكل سلاسل التوريد بفعل جائحة كورونا، عدا عن التغير المناخي. لكن هذه الأسباب ليست العامل الحاسم بمعاناة أزمة إنتاج الخبز في مناطق الإدارة الذاتية، إنما هناك عوامل داخلية تعد جوهر المشكلة، أهمها خسارة قوات الإدارة الذاتية مساحات زراعية شاسعة، لصالح قوات المعارضة السورية المدعومة تركياً،خلال السنتين الماضيتين.

إذ أشار تقرير صادر عن هيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية، نشرته وكالة هاوار في 17 حزيران/يونيو 2019، أن حجم الأراضي الزراعية التي تمت خسارتها،تقدر بـ 4,750,000 دونماً في منطقة تل أبيض شمال الرقة، و 1,440,000 دونماً في منطقة رأس العين شمال غرب محافظة الحسكة، إضافة إلى خسارتها صوامع منطقتي تل أبيض ورأس العين والتي تحتوي على التوالي 42,700 طن و 2,300) طن من القمح.

ولعل الخسارة الأكبر للإدارة الذاتية كانت الصوامع حفظ الحبوب، لاسيما وأن الإدارة الذاتية لم تعمد إلى بناء صوامع بدلاً عن تلك التي خسرتها، عدا عن أنها استخدمت عدد من الصوامع الخاضعة لإدارتها كقواعد عسكرية مشتركة مع القوات الأميركية، من قبيل: صوامع تل بيدر، وصباح الخير، بحسب وثيقة أمنية صادرة عن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام حصلت عليها منصة “اقتصادي”، تحتوي على معلومات عن آلية تعامل الإدارة الذاتية مع مواردها الاقتصادية.

وإضافة إلى حالة عدم الاستقرار، تعد التغيرات الحادة في سعر الصرف، و أزمة المياه التي ترافقت مع موجة الجفاف التي ضربت سوريا، واعتماد المزارعين على مياه الآبار، وعدم قدرة الإدارة الذاتية إلا على صيانة 25% من الحصادات الزراعية، البالغ عددها 3800 حصادة، لعدم توفر القدرة المالية للإصلاح، تعد كلها أسباب إضافية، بحسب تصريح سليمان بارودو، في 20 أيار/مايو 2020، لقناة آرتا.

وكذلك يضاف إليها ما سببته الحرائق طيلة السنوات السابقة من أذى للتربة، والتي عادة ما تحتاج إلى عامين لإعادة استصلاحها، في ظل غياب آلية واضحة لإصلاح الأراضي وتعويض الفلاحين وتفادي الحرائق في السنوات القادمة، كالعمل على تطوير منظومة الإطفاء.
كذلك، فإن أزمة المحروقات، وتهريب الإدارة الذاتية المحروقات إلى مناطق النظام السوري، ومناطق المعارضة على حد سواء، ساهم في تراجع الإنتاج. إذ كشفت وثيقة أمنية حصلت عليها منصة “اقتصادي”، أن مسؤولين في الإدارة الذاتية، يوردون النفط الخام والبترول إلى عناصر الحرس الجمهوري الإيراني في مدينة دير الزور، مقابل مبالغ نقدية، أو شحنات من المخدرات. وقدرت الوثيقة أن ما يقارب 10 آلاف برميل يومياً يتم توريدها إلى حكومة النظام السوري، و 15 ألف برميل نفط إلى إقليم كردستان العراق بعقود رسمية، وكذلك إلى تركيا عبر العراق. وهو ما تسبب في ارتفاع تكاليف الزراعة أمام الفلاحين، وبالتالي احجامهم عن زراعة أراضيهم.
ويرجع سبب العجز في مناطق الإدارة الذاتية إلى ما قبل الحرب السورية، إذ يعود إلى سياسات نهب الاقتصاد الوطني، من قبيل: القرارات التي أصدرها كل من وزير المالية السوري السابق محمد الحسين، ونائب رئيس الوزراء عبد الله الدردري، المتعلقة بآبار السقاية، ودعم المحروقات، ومن ثم بيع المخزون الاحتياطي إلى مصر والأردن عام 2012 للحصول على القطع الأجنبي.

يضاف إلى ماسبق، سرقة مكاتب المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، التي تحتوي على السلالات القمحية القوية المناسبة للبيئة السورية، وأبحاث زراعية هامة، في مدينة حلب من قبل جهات محسوبة على المعارضة السورية. كما قامت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التابعة للإدارة الذاتية، بتحويل مؤسسات تابعة لإيكاردا في محافظة الحسكة إلى معسكرات تدريب عسكرية، وسجون، والتصرف بمحتوياتها بتوزيعها على مسؤوليها، والاستعاضة عنها من خلال استيراد البذور الضعيفة من روسيا.

وفي ظل هذه الظروف لم تتخذ الإدارة الذاتية أي خطوات لإعادة تحسين زراعة القمح، و تحقيق الاستقرار في مناطقها لإنجاح تجربتها السياسية، إنما خضعت زراعة القمح، و من ثم صناعة القمح التمويني لمزاجية القائمين على الإدارة الذاتية، وبدأ التنافس بينها وبين النظام للسيطرة على محصول القمح، واستخدامه كورقة سياسية تفاوضية، ووسيلة لتأمين القطع الأجنبي، وسلاح حرب للترهيب والترغيب، كالقرار رقم 58 الصادر في 5/6/2020 القاضي بتسعير كغ القمح بـ 315 ليرة سورية بالمقارنة مع سعر 400 ل.س في مناطق سيطرة النظام السوري.

وعلى الرغم من أن التسعيرة الجديدة أقل من السعر العالمي للقمح، والتي تقدر بـ 257 دولار حسب سعر الدولار بـ 3500 ليرة، في حين أن السعر العالمي لميناء التصدير FOB هو 680-750 دولار للطن الواحد، فيما ما يزال الرقم بارتفاع بسبب إجراءات كورونا وسلاسل التوريد، ما يعني أن كل 1 كغ يجب أن يسعر بـ 2300 ليرة كحد أدنى، وهذا ما دفع إلى التنافس الحاد بين الإدارة الذاتية والنظام.

كيف يمكن سد العجز؟

في حال قررت الإدارة الذاتية سد هذا العجز، وتخفيف عبء لقمة العيش على المواطن في مناطق سيطرتها، فإن أولى الخطوات هي معرفة حجم عجز احتياطي القمح، وتحديد الوسائل و الأدوات التي تقود إلى سد هذا العجز.

وقدرت أمل خزيّم، الرئيسة المشتركة لهيئة الاقتصاد، أن حجم الاحتياج السنوي للطحين التمويني هو 700 ألف طن بالحد الأدنى، وأنه خلال العام 2021 تم استلام 180 ألف طن، تضاف إلى 200 ألف طن مقدار المخزون الاحتياطي، ما يعني أن قيمة الاحتياج تبلغ 300-400 ألف طن، سيتم استيراد 100 الف طن، دون أن تذكر الإدارة الذاتية الجهات التي سيتم الاستيراد منها، ولا آلية الاستيراد أو السداد، وهي ذات الرواية التي يتكلم بها نظام الأسد.

وللتغلب على العجز، لجأت الإدارة الذاتية إلى خلط دقيق القمح بدقيق الذرة بنسبة 20% من الأخير، كما طلبت “قسد” عبر وساطة روسية من فصائل المعارضة تقاسم المخزون الاحتياطي في الصوامع التي سيطرت عليها قوى المعارضة المدعومة تركياً، بحسب وثيقة أمنية صادرة عن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، تتحدث عن طلب “قسد” من فصائل المعارضة عبر وساطة روسية تقاسم مخزون الصوامع، حصلت عليها منصة “اقتصادي”.

كذلك، فإنه يتوجب على الإدارة الذاتية وضع خطة استراتيجية تبدأ من إعادة تفعيل مراكز “إيكاردا” الموجودة بقرية هميو في ريف مدينة القامشلي، وهو ما يعني إفراغ مبنى “إيكاردا” من مقاتلي الادارة الذاتية، والعمل على إعادة البنى التحتية إلى هذه المؤسسة والتواصل مع المنظمات الدولية ذات الشأن لتقديم الخبرات اللازمة، ومن ثم تفعيل الإكثار والبذار و الاعتماد على البذار المحسن المستوردة ريثما يتم ذلك.

إضافة إلى اجراء تفاهمات مع جميع القوى المتصارعة، لاسيما الإدارة الذاتية وقوى المعارضة، لأجل تحييد كل ما يتعلق بزراعة المحاصيل والصوامع والمطاحن، لاسيما وأن انتظار المساعدات الغذائية من منظمة الاغذية العالمية WFP غير مجدي حيث مستودعاتها موجودة باللاذقية، وتخضع لمزاجية نظام الأسد وحلفائه، وتستخدم كورقة سياسية كما حدث بالشحنة التي وصلت مدينة القامشلي في تاريخ 18/09/2021 وكانت عبارة عن 4 شاحنات قادمة من ميناء اللاذقية.

كما أنه على الإدارة الذاتية إعادة تنظيم المحروقات لتشمل خطتها تخصيص محروقات لدعم الزراعة عبر اقتطاع جزء من مخصصات خزان طوراميش (pkk) أو اقتطاع جزء من حصة العراق اليومية التي تقدر ب40 صهريج أو حتى حصة النظام .

وإعادة النظر بوضع الحصادات سواء بشراء الحصادات الجديدة أو صيانة القائمة، وعدم الاعتماد على تَركة النظام القديمة أو الركون إلى اتفاقية نظام الأسد مع الروس بخصوص إقامة مطاحن جديدة،لأن الأمن الغذائي يعتبر الخطوة الأهم في طريق الاستقرار ونجاح تجربة الإدارة الذاتية، في حال كانت تجربة إدارية وليست عبارة عن مكاسب مادية و تفاوضية شخصية لصالح حزب وأشخاص وعرق.

اترك تعليق

مقالات ذات صلة