اقتصادي – خاص:
لن تحقق حكومة النظام، بتقليص الشرائح المستفيدة من الدعم، هدفها المزعوم بتخفيف العجز بالموازنة العامة للدولة، بل ستكون نتائج رفع الدعم عبئاً أكبر عليها، وبالتالي نستشعر الصراعات السياسية داخل النظام نفسه، الرامية الى تغير مراكز قوته وبنيته الأمنية وفق رؤية قوى مختلفة بدأت بالسيطرة على زمام الأمور.
وطفت على السطح تلك الصراعات داخل النظام نفسه منذ تسلم أسماء الأسد للملف الاقتصادي في منتصف ٢٠١٨، عند محاولة التهرب من المطالبات بمكافحة الفساد، وتنامي قوة أمراء الحرب وتعديهم على مؤسسات الدولة، الذي وصل إلى تسلمهم وحلفائهم تلك المؤسسات، بما شكل انقلاباً على مرتكزات النظام وخطوطه الحمراء.
وقدّرت حكومة النظام العجز في مشروع الموازنة للعام 2022 بنحو 4118 مليار ليرة، وأن حجم الدعم فيها يصل إلى 5530 مليار ليرة سورية.
فالدول بمختلف نظمها الاقتصادية بين الاشتراكية والرأسمالية وما بينهما، تعمد إلى تقديم الدعم للفئات الفقيرة فيها، عبر أشكال متعددة ومتنوعة، إلا أن الهدف الأساسي والمشترك بينهم هو حماية السوق من تداعيات انخفاض القوة الشرائية وكساد السلع، مع تغير أولويات الشراء لدى المستهلكين، الأمر الذي يؤدي إلى التضخم في المرتبة الأولى لبعض السلع وكساد لأخرى، وإلى إجبار المواطنين على تسييل بعض أصولهم كالعقارات، وصولاً إلى خسارة قيم أموالهم.
وتواجه السلطات السياسية في مثل هذه الظروف خطر الانهيار، وخاصة لتلك الحكومات الهشة الخارجة بعد سنوات طويلة من الحرب مالم تحصل على دعم دولي حقيقي، لمواجهة ما قد ينشأ في البلاد من اضطرابات اجتماعية كبيرة مثل ما حدث في فنزويلا والعراق ودول أميركا اللاتينية وغيرها.
وحقيقة الأمر، أن حكومة النظام لا تملك أموالاً كافية لتوفير السلع للفئة التي خرجت من الدعم، في وقت تعاني فيه العملة السورية من الانهيار فهي غير قابلة للتداول خارج الحدود.
بالمقابل، سينقسم المستبعدون من الدعم الحكومي إلى فئتين، الأولى ستتجه إلى شراء وتخزين السلع بالعملة السورية قبل مزيد من انهيارها، ما يؤدي لمزيد من الطلب على السلع وفقدانها من السوق والارتفاع المبالغ بسعرها، بينما ستتجه الفئة الثانية إلى دولرة مدخراتهم خوفاً على قيمها، ماسيرفع سعر صرف الدولار محلياً لحد فقدان الليرة السورية لأي قيمة لها، فضلاً عن تسييل أصولهم ماقد يؤدي لخفض قيمها أيضاً والركود في الأسواق، كونهم من يدير الطلب عليها.
ونتيجة لذلك قد يتجه جزء منهم وهم الأضعف للبحث عن طرق للعودة الى خيمة الدعم، وذلك عبر إلغاء سجلاتهم التجارية أو بيع سياراتهم والعمل في الظل بعيداً عن المالية والضرائب والإحصائيات الرسمية، ما يعني تنامي حلقة التضخم والركود.
وبدأت حكومة النظام في بداية فبراير الحالي، تطبيق سحب الدعم عما يقارب 6 آلاف أسرة سورية، الأمر الذي قابله سخط شعبي واسع وسط أخطاء كبيرة ومغالطات في تقييم وضع العائلات المسحوب عنها الدعم.
ويشكل الدعم في جوهره، حدوداً ضابطة للطلب، وجداراً استنادياً يمنع انهيار سقف الاقتصاد تحت وطأة التضخم ، خاصة في الدول التي تشهد أزمات سياسية، لكن الأهداف الخفية لحكومة النظام من تطبيق سحب الدعم قد تبدو على شكل انخفاض في أسعار العقارات، ما يساعد في عمليات غسيل الأموال، مع التنويه إلى أن هذا الانخفاض لن يشمل كافة المناطق، وبالتالي سوف يصبح سوق العقارات مقسوماً بين أسعار فلكية وأخرى راكدة.
كما قد تخطط الحكومة لاجتذاب المستثمرين الأجانب للاستثمار وغسيل الأموال، متجاهلة عقبة العقوبات من جهة، وعدم رغبة الكثيرين الدخول في استثمارات وشراكات مع رؤوس النظام من جهة ثانية.
وبالمحصلة، لن تحصد حكومة النظام من سياساتها الاقتصادية المتخبطة سوى مزيد من الفساد والفشل في دوائرها، وزج البلاد بمزيد من الصراعات المسلحة والأوبئة الاجتماعية وخصوصاً العسكرة و انتشار الجريمة المنظمة والمخدرات بشكل اكبر من الان ، مما ينتفي معه اي جدوى للبحث عن اي حل سياسي للملف السوري حيث الدولة السورية تصبح دولة فاشلة .. ويصبح امراء الحرب جزء من أي حل السياسي .