الرئيسية » الكبتاغون عائق أمام تعويم الأسد

الكبتاغون عائق أمام تعويم الأسد

بواسطة Nour sy

اقتصادي – خاص:

لا يكاد يمر يوم في سوريا دون أن تطلعنا الصحف على أخبار مصادرة شحنة كبتاغون مصدرها المناطق الخاضعة للنظام، دون تحديد من الجهة التي تقف وراء هذه الشحنات ولا لمن تعود ملكيتها، فحتى النظام لم يسبق له أن أعلن عن القبض على تجار مخدرات داخل مناطقه، وانما يتم بين الحين والآخر القبض على مروجي المخدرات المحليين، وهم عادة نقاط بيع للمخدرات وتحديداً للحشيش والكبتاغون للمتعاطين، كما لا يتجاوز حجم الكميات المصادرة من قبل النظام عشرة كيلو غرامات بالحد الأقصى، أما الشحنات الكبيرة التي يتم ضبطها فيكون ذلك نتيجة خلاف بين كبار التجار والذين يحركون أذرعهم الأمنية.

ويباع الحشيش بأكياس صغيرة تسمى “الكف” ولا يتجاوز وزنها 200-500غ في حين الكبتاغون يباع كأقراص وزن الواحدة منه غرام واحد فقط، وبالتالي ما يتم ضبطه داخلياً من قبل النظام يعتبر كميات صغيرة جداً مقارنة بتلك التي يجري ضبطها تهرب عبر الحدود الأردنية على وجه الخصوص.

لماذا الأردن؟

وعلى النقيض، تغيب أنباء ضبط أي شحنات من الكبتاغون على الحدود العراقية، وذلك يعود لكون تلك الحدود واقعة تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية من الطرفين، في حين يحكم “حزب الله”، شريك النظام باالحرب، قبضته على الحدود مع لبنان كونه شريك الحكومة السياسية هناك، ما يمنع الأمن اللبناني من اتخاذ أي إجراءات لمكافحة عمليات التهريب أو القبض على المتورطين فيها إلا ما ندر ودون نشر تفاصيل حول العملية وأسماء مالكي الشحنات، حيث يتم التهريب بدعم كل من نوح زعيتر وعدد من المقاتلين التابعين له مثل القيادي الحاج ظافر (نبيل علي دبوس) والحاج عماد (جواد محم قانصو) والحاج ابو زينب اللبناني (جابر حسن وهبي) الموجود في دير الزور وغيرهم، إضافة إلى فراس الجهام قائد مليشيات الدفاع الوطني بدير الزور.

وفي ذات السياق، لا تزال الحدود التركية بعيدة عن أعين الإعلام، ولم يرد نبأ عن مصادرة أي شحنة مخدرات، إلا تلك الشحنة التي تم ضبطها في ميناء الاسكندرون، وتم ذلك نتيجة خلاف أمني مع مليشيات (أبو عمشة).

ويأتي تغييب ذكر عمليات تهريب الكبتاغون عبر الحدود العراقية والتركية رغم عدة تقارير تحدثت عن انتشار المخدرات وإقامة مصانع لها في مناطق مختلفة من عفرين، إضافة إلى تعامل المليشيات و”جبهة تحرير الشام” مع تجار مخدرات النظام لتسهيل مرورها، فحتى “قوات سورية الديمقراطية” التي تقيم مزارع حشيش لها في معسكرات التدريب ومتورطة في هذه التجارة مع كردستان العراق وتركيا، لا يتم التطرق لها.

أما الحدود البحرية، فهي الأخرى محمية ومغيبة، إذ تتم عمليات تهريب المخدرات عبر ميناء اللاذقية وجبلة، وكذلك موانئ الصيد الصغيرة في لبنان والتي تسيطر عليها إيران وحلفائها المحليين، ما يجعل العمليات تتم بسلاسة باستخدام مراكب صغيرة تنقل الشحنات إلى المياه الإقليمية حيث السفن الكبيرة توصلها لمختلف الدول.

إذاً، تبقى الحدود الأردنية الوحيدة المكشوفة للعلن، كونها خارج سيطرة حلفاء النظام، وبدأت المملكة تستشعر خطورة هذه التجارة التي تستخدم أراضيها للوصول إلى السوق الخليجية، فبدأت الحركة الاقتصادية للأردن تتأثر سلباً بهذه الشحنات، وبات يحاول ضبط حدوده ومنع التهريب الذي يتم غالباً عبر معبر نصيب –جابر الحدودي، كون هذا المعبر يقع تحت سيطرة النظام الذي يوظف علاقاته بأجهزة الأمن الأردنية لتمرير الشحنات، فاتجهت المملكة للاستعانة بالجيش، إضافة إلى تخفيض عدد الشاحنات التي تمر عبر المعبر من 300 الى 40 شاحنة مع التدقيق والتشدد على مرورها، فضلاً عن لجوء المملكة إلى تغيير الشاحنات السورية إلى أخرى أردنية لتخفيف الضغط عن الجمارك والجيش من جهة، ولمحاولة امتصاص غضب الشارع من العلاقة مع النظام القاتل وتاجر المخدرات .

وتعتبر حركة التهريب من المعابر غير الرسمية مع الأردن قليلة، ففي السابق كانت الاستخبارات الأردنية و”الجيش الحر” متواجدان بكثافة ويعملان على قمع هذه التجارة، إلا أن المصالحات وعودة سلطة النظام إلى بعض المناطق أنعش تلك التجارة حيث عمل النظام على خلق شبكة من العاملين بهذه التجارة، ونشر قوى الجيش التابعة له التي تعمل بترفيق الشحنات.

ضغوط واستياء عربي ودولي

بدأت دول الخليج تستاء من الكبتاغون الذي يفيض عليها من سوريا ولبنان، عبر جميع المنافذ وخاصة الأردنية والتي زادت بعد فتح معبر “جابر_ نصيب”، حيث صادرت دائرة مكافحة المخدرات في 10/01/2022 شحنة تضم مليون حبة كبتاغون، الأمر الذي دفع بالسعودية ودول خليجية إلى الضغط على الأردن لتشديد حراسة حدوده ومنع عبور الشحنات، وكانت النتيجة إشراك الجيش عقب سقوط قتلى من الجمارك خلال محاولة إحباط إحدى عمليات التهريب، في حين تم ضبط آخر شحنة في 11/02/2022 بالتعاون بين الجيش ومكافحة المخدرات وصادروا كمية بلغت 9343000 حبة كبتاغون و389000 حبة ترامادول 7096 كفّ حشيش.

كل هذا يلقي بظلال ثقيلة على إعادة تعويم نظام الأسد، الذي تسعى إليه الإمارات وروسيا، كل لأسبابه ومصلحته، إذ تسعى الإمارات للاستفادة من نفوذ السوريين على الحوثيين وضبط هجماتهم الحربية لأراضيها، وتوقيع هدنة عامة مع إيران بعدم التعدي على بعض ووقف الممارسات العدائية، بينما تريد روسيا من تعويم الأسد، إظهار قدرتها الدولية على حل نزاع المعقد وشرعنة استثماراتها وإطلاق إعادة الإعمار السورية، وبالتالي ظهورها كقوة دولية وهو ما يجعل سوريا نقطة انطلاق روسيا اقتصاديا وعسكريا ودوليا.

أهمية الكبتاغون

إن استمرار تدفق شحنات المخدرات من سوريا عبر الحدود المختلفة، يدفع للتساؤل عن سبب إصرار النظام على عدم مكافحة هذه التجارة، علماً أنها تشكل عقبة أساسية في طريق تعويمه!

إن إدراك الظروف الاقتصادية ومصادر تمويل النظام الحالية، تقود إلى إيضاح أهمية تجارة المخدرات في الإبقاء على المصدر الأساسي لأموال هذا النظام، فحسب مصادر مطلعة من النظام السوري، تتربع تجارة الكبتاغون على قائمة مصادر دخل النظام السوري، تليها المعابر ومعها المنح المقدمة من المؤسسات الدولية وغير الحكومية، ليأتي بعدها واردات تصدير بعض السلع الغذائية والسيلكون والفوسفات (حصة الدولة السورية من الاتفاق مع روسيا)، في حين يتذيل أمراء الحرب قائمة مصادر تمويل النظام.

ويستخدم النظام الأموال الواردة من تجارة المخدرات في تمويل رواتب الموظفين بمؤسسات الدولة للاستمرار بعملها من جهة، بينما يتم تخصيص قسم أيضاً لتمويل الأذرع الأمنية للنظام مثل الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والأجهزة الأمنية والمليشيات الرديفة …الخ، في حين يخصص جزء من تلك الواردات للنظام نفسه وأمراء الحرب، التي تحتاج نحو 7 مليار دولار كحد أدنى سنوياً، وذلك حسب الميزانية المقدرة للدولة الموازية في 2010، والتي تقدر بـ40% من ميزانية الدولة السورية.

ويدفع التعقيد الأمني داخل سوريا، بالنظام إلى متابعة تورطه في تجارة المخدرات، حيث فقدت الفرقة الرابعة سيطرتها على هذه التجارة، وبدأت السيطرة تتجزأ إلى عدة لاعبين مستقلين، يتصدرهم حركة “جهاد البناء” الايرانية تليها الفرقة الرابعة وثم “حزب الله” الذي اتسع نشاط عمله من ريف حمص والقلمون ليصل باتجاه دير الزور وريف طرطوس، والتي شهدت إنشاء معامل خاصة بهذه التجارة، وآخرها معمل أقامه الحاج أبو الفضل البزال ( علي رضا البزال) بدعم من الحاج هاشم الموسوي وهو من كبار تجار المخدرات اللبنانيين، إذ تم إنشاء معمل في القصير بريف حمص لتصنيع الشوكولاتة في ظاهره لكن في حقيقته لتصنيع الكبتاغون، حيث تصدر منتجاته إلى دير الزور ومنها إلى العراق.

ويدل مثل هذا المعمل على أن معامل الصناعات الغذائية باتت لاعباً جديداً في صناعة المخدرات بسوريا، الأمر الذي يصعّب مكافحة هذه الصناعة، في ظل الأزمات الغذائية التي تعاني منها البلاد، والعقوبات والقيود التي فرضها قانون “قيصر”.

ومن جانبهم، يلعب “أمراء الحرب” دوراً في استمرار تجارة المخدرات، فبعد أن تضخمت ثرواتهم في البلد التي تعاني الانهيار الاقتصادي وانعدام الموارد الطبيعية والمنح الدولية، تحولت المخدرات إلى مصدر تمويلهم الأكبر، وطريقة تمكنهم من الخروج عن سيطرة النظام بمساعدة الدعم روسي و إيراني، حيث تستخدم كل من روسيا وإيران “أمراء الحرب” للوصول إلى مناطق كثيرة في الشمال تحت سيطرة “قسد” و”جبهة تحرير الشام” إضافة مناطق النظام المختلفة التي تحتاج للسيطرة عليها وضمها لنفوذهما.أي أن دعم المخدرات هو البطاقة البيضاء (نسبة الى لون اقراص الكبتاغون) في يد إيران وروسيا لكسب ولاء مناطق جغرافية من سوريا رغم عدم وجود تواجد لهم نفوذ.

يلعب تردي الوضع الاقتصادي في سوريا هو الآخر دوراً في استمرار تلك التجارة، التي باتت ترياق لتأمين السيولة كون هذه الأموال تعتبر أموالاً سهلة، فيخطط النظام للاستفادة من الأموال التي تدرها تجارة المخدرات، في تخفيف حدة الاستياء الشعبي جراء الأوضاع المعيشية السيئة، وهذا الأمر لا يشمل فقط سوريا بل يتعداه إلى لبنان والعراق، حيث يسعى للتدخل بالانتخابات في تلك البلدان والتشكيلات السياسية وخطط تمويلها، أي إن النظام سوف يكون له دورا اقليمياً.

وفي حال أراد النظام الحصول على التعويم، لا بد له من تنفيذ حملات قوية لقمع تجارة المخدرات وضبطها، وعليه أن يبدأ من نفسه في الداخل و”أمراء الحرب” ، والذي يبدو ان اول هؤلاء هو “القاطرجي”!

اترك تعليق

مقالات ذات صلة