اقتصادي – خاص:
تتبع روسيا استراتيجية معينة في اختيار القطاعات الاقتصادية التي ترغب بالاستثمار بها في سوريا، بما يحقق تنحية إيران اقتصادياً، فضلاً عن حصرها بالشركات الداعمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدم تشجيع شركات القطاع الخاص الروسي على خوض ذلك.
ورغم سيطرة روسيا على كثير من مفاصل القوى فيها، إلا أنه يوجد وزن وثقل لعدة لاعبين آخرين مثل أميركا وقسد وتركيا وإيران، ما يجعل الشركات الخاصة عموماً والروسية خصوصاً غير متشجعة على الدخول، تحديداً مع تجربة سابقة في الثمانينات بسوريا لم تكن نتائجها مرضية.
استراتيجية إيران في الاستثمار:
وبالمقارنة بين الروسي والإيراني، تظهر فروقات بين استراتيجية الدولتين في الاستثمار بسوريا.
فرغم ارتباط الدولتين بعدة ملفات دولية كالملف النووي، إلا أن سيطرة موسكو في سوريا، دفعت بإيران إلى اعتماد الاستثمارات المكثفة للعمالة.
وتبتعد بقية الدول عن القيام بمثل تلك الاستثمارات، في حين تتوجه طهران إلى ذلك مدفوعة بعدة عوامل:
– تشغيل الفقراء وخلق انتماء وولاء طائفي لها، يضمن ظهورها كلاعب أساسي فيما بعد، بغض النظر عن الأرباح التي تحصدها طهران من تلك الاستثمارات.
وظهر ذلك جلياً في دعمها الحوثيين باليمن و”حزب الله” في لبنان، وتشكيلات الحكومات الشيعية بالعراق الحكومات الشيعية.
– سيطرة الأمريكان والروس على كثير من الاستثمارات الهامة، لمنع إيران من الدخول في سوريا نتيجة ضغط خليجي.
– ضعف الدولة السورية باباً سمح لإيران بالقيام بهذه الاستثمارات كبناء بعض المناطق في أرياف دمشق البعيدة ودير الزور، مستغلة المناكفات السياسية بين النظام وروسيا من جهة، وبين أجنحة النظام نفسه من جهة ثانية.
وتسعى دمشق وطهران إلى زيادة حجم مبيعاتهما التجارية إلى 500 مليون دولار في عام 2022، بعدما شهدت الحركة التجارية بينهما نشاطاً ملحوظاً في الأشهر التسعة الأخيرة من عام 2021 بلغ معها حجم التبادل التجاري 190 مليون دولار.
الاستراتيجية الروسية:
وبشكل مغاير، تعتمد موسكو في بحثها عن الاستثمارات على مايحقق أهدافها ويزيد سيطرتها بالمنطقة لتثبيت وجودها على المياه الدافئة، وتضع عدة اعتبارات لأي استثمار أهمها:
– اختيار أنواع استثمارات سوريّة تواجه إشكاليات دولية، بحيث تمنع إيران من الوصول إليها، وبالتالي تحصل على دعم أوروبي أمريكي دولي بوجود موسكو بالملف السوري.
– اختيار استثمارات منتجة ولا تحتاج إلى ضح الأموال، وتكون قابلة للبيع بسهولة مستقبلاً لأي مستثمر دولي عند انطلاق إعادة الإعمار.
– الخلفية السياسية الاقتصادية للاستثمارات، مع حرصها على عدم ضخ أموال وتجميدها بقطاعات ذات خطورة عالية مقابل عوائد بسيطة.
– قانون “قيصر” والعقوبات الأمريكية المفروضة بناء عليه أي جهة تتعامل مع النظام السوري.
– حصر الاستثمار بالشركات المقربة من الرئاسة الروسية دون غيرها من الشركات الخاصة من جهة.
– السوق السورية صغيرة ولا تحمل ميزات الاستقرار والأمان للاستثمار الاقتصادي للقطاع الخاص.
وكان نائب رئيس مديرية العمليات في الأركان العامة الروسية، ستانيسلاف غادجيما غوميدوف، قال في 14 فبراير الحالي، إن “عقوبات قيصر أثرت على الوضع المعيشي التي تشهده البلاد”، مضيفا أن “الشركات تخشى الدخول في مشاريع مربحة في سوريا خوفاً من العقوبات الأمريكية، بما في ذلك الشركات الروسية، فقانون قيصر أرهب جميع الشركات ولا أحد يريد دخول سوريا”.
لذا، يصرّ “الدب القطبي” على طرح قانون “قيصر” في المفاوضات الأوكرانية، وغيرها من ملفات دولية، لأنه يطمح للدخول بالملف الاقتصادي السوري وإطلاق إعادة الإعمار، ويرى في “قيصر” مانعاً للحل.
وفرضت روسيا هيمنتها على مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية في سوريا، بدءاً من تنقيب النفط وترميم المنشآت النفطية إلى الموانئ والطاقة والمياه، وصولاً إلى القطاعات الأقل أهمية كصناعة الإطارات.