الرئيسية » كيف تضرر الاقتصاد الروسي من غزو أوكرانيا؟

كيف تضرر الاقتصاد الروسي من غزو أوكرانيا؟

بواسطة Nour sy

اقتصادي – خاص:

فرضت معظم دول حلف “الناتو” عقوبات اقتصادية على روسيا، شملت عدة مجالات، فضلاً عن عقوبات طالت أصول الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء سيرغي لافروف، وبعض الشخصيات والكيانات الروسية، إلا أن أخطر العقوبات تلك التي فرضت على بنكين حكوميين، خاصة في زمن الرقمنة ومخاطر انهيار التصنيف الائتماني.
وشملت العقوبات المفروضة على روسيا كل من القطاع المالي والطاقة والنقل والسلع ذات الاستخدام الثنائي في المجالات المدنية والعسكرية، وكذلك ضوابط تخص التصدير وتمويل الصادرات وسياسة التأشيرات والقوائم.
ولم تمنع العقوبات الأخيرة، كل من بوتين ورئيس وزرائه لافروف من دخول دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، التي تنوي وضع أموال الرئيس الروسي تحت الحراسة.
وجاءت تلك العقوبات كخيار بديل عن الرد العسكري على غزو أوكرانيا، الذي قد يدفع العالم إلى حرب عالمية ثالثة تكون على شكل حروب اقليمية شاملة، نتائجها وخيمة على البشرية أجمع، كونها تطال أطراف متعددة تملك كل منها قوى تدميرية هائلة.
وقدر موقع cnn money في وقت سابق ثروة بوتين بـ300 بليون دولار، في حين ذكرت مجلة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن “معظم التقديرات تستشهد بمستشار الكرملين السابق، ستانيسلاف بيلكوفسكي، ففي العام 2007 قال إن بوتين يملك ثروة صافية على الأقل 40 مليار دولار، وهو الرقم الذي من شأنه أن يضع بوتين في المرتبة العاشرة عالميا في مجلة فوربس لأصحاب المليارات”.
وبينت المجلة أن “مصدر الكرملين يستند إلى تقديرات تشير إلى حصة بوتين في العديد من الشركات، معظمها في قطاع النفط. حيث قال إن الرئيس الروسي يسيطر على 37% من شركة النفط “سورجوت”، و 4.5% من شركة الغاز الطبيعي “غازبروم”، ويحوز على حصة كبيرة في شركة “Gunvor” القابضة، إضافة إلى امتلاكه قصراً على البحر الأسود يبلغ ثمنه نحو مليار دولار بالإضافة إلى 20 قصر آخر، وأربعة يخوت، و58 طائرة، ومجموعة من الساعات بقيمة 400,000 يورو، وفقاً لملف فضيحة وضع من قبل نائب رئيس الوزراء الروسي السابق في عام 2012، إضافة لقدرته على استخدام حسابات شخصية لأغنياء الأولغارشيين، في وقت لا توجد فيه معلومات عن ثروة لافروف.

بالمقابل، أعلن بوتين قبل الانتخابات الرئاسية الروسية، أن ثروته تشمل شقة مساحتها 800 متراً مربع في سانت بطرسبرغ، مع سيارتين من سيارات الاتحاد السوفيتي وشاحنة سيارات كبيرة وحامل سيارات.
ونجح بوتين في تكوين ثروة بنحو 38.5 مليون روبية بما تصل قيمته إلى 67,6000 دولار، خلال الست سنوات الماضية من دخله الرئاسي، ومعاشه التعاقدي وفوائد مداخرته!. وكان تصنيف فوربس لزعماء العالم الأكثر ثراء لم يشمل بوتين في 2015 لكنه قال إنه لا يستطيع التأكد من صحة أرقام ثروته.
وللعقوبات على بوتين وسبرغي لافروف رمزية كبيرة بسوق الاستثمار والمال، حيث يعتبر هذا الاقتصاد غير مستقر ولا يمكن الوثوق باتجاهاته المستقبلية كما أنه اقتصاد ضعيف لا يملك جسور مع اقتصادات أخرى وخاصة إن كان من فرض العقوبات اقتصاد أكبر منه حجماً.
ولم تكتفي العقوبات بمسؤولي الدولة الروسية فقط، وإنما شملت 24 شخص وكيان في روسيا البيضاء بسبب دعمهم لهجوم موسكو على أوكرانيا، وذكرت وزارة الخزانة أن العقوبات الأميركية تستهدف بنكين مملوكين للدولة، وهما بنكا بيلينفست ودابرابيت، بالإضافة إلى صناعتي الدفاع والأمن ومسؤولين عسكريين.
وهذا الاجراء ربما هو الأخطر على اقتصاد روسيا من بين العقوبات التي فرضت عليها، رغم محاولة بعض المحللين الاقتصاديين تحت سطوة الاعلام الروسي ولوبياته للتشكيك بنجاعة العقوبات، بحجة أن موسكو قامت بتعزيز الاحتياطات الأجنبيَّة لتصل إلى 631 مليار دولار، ورغم ضخامة المبلغ إلا أنه يتكون أساساً من قيود محاسبية إلكترونية.
يتكون هذا الاحتياطي من جزء صغير من احتياطيات النقد الأجنبي، من النقد بالدولار واليورو (حوالي 12 مليار دولار) وجزء آخر يتكون من الذهب (حوالي 139 مليار دولار)، هذه القيمة بالدولار ليست للتداول وإنما لاستقرار العملة وتعزيز قدرتها على مواجهة الهزات ، حيث شرعت روسيا منذ عام 2019 في “نزع دولرة” اقتصادها لصالح الذهب حسب تصريحات المحللين، إضافة إلى أن روسيا تملك جزءاً من احتياطياتها من العملات الأجنبية عبر سندات الرنمينبي (سندات بالعملة الصينية).
ورغم أن الاحتياطي من الدولار متواضع بالنسبة للإجمالي الاحتياطي النقدي، إلا أن إجمالي الاحتياطي مقدّر بالدولار كما أن الذهب النقدي هو شكل آخر للدولار حسب أسواق الذهب التي تسعر بالاعتماد على العملة الأميركية، أي ان هذا الاحتياطي هو بالدولار وان بند بطريقة مختلفة، أي أن تركيب الاحتياطي هو إيهام غير المختصين بأن الروس تجهزوا مسبقاً للخروج من عباءة الدولار الأمريكي.
ويعاني اقتصاد الاتحاد السوفييتي من وجه مظلم، فهو يستورد المواد الغذائية والآلات والأدوات وغيرها من سلع مثل: منتجات الصيدلة – اللدائن – منتجات من حديد وصلب – فواكه وثمار – وقود معدني- زيوت عطريه – ألبان ومنتجاتها – سكر ومنتجاته – أحذية – خضر ونباتات صالحه للأكل، ما يدل على أن بينة الصناعة الداخلية هشة.
واستناداً إلى ذلك، يستورد الروس كل متطلبات الحياة، وبحسب آخر الإحصائيات الصادرة من هناك لعام ٢٠١٨، فإن أكبر شريك للروس هو الاتحاد الأوربي بما يقارب ٣٩% إضافة إلى أمريكا والتي تشكل ٧%.
في حين تستورد الصين ١٠% من روسيا وتصدر إليها٢٠%، وهذا الأمر ينعكس على طبيعة المواد المصدرة وجودتها، والصين لا تستطيع سد حاجتها ولا يمكن لها تلبية تغير الطلب، وهذا ما يسبب أزمة الصين الداخلية مع الشركات العملاقة دون أن ننسى أزمة سلاسل التوريد.
وليس هذا كل شيء، فقد حصلت الصين الآن على كميات من الغاز الروسي، تفوق حاجتها وبأسعار تفضيلية، وهي تسابقت للحصول على النفط والغاز من الاسوق العالمية ما سبب ارتفاع أسعاره، أي أن سبب أزمة الطاقة ليست الحرب فقط كما تحاول روسيا والشركات الخاصة لبيع الطاقة إشاعته، إنما لاستحواذ الصين عليه بغية إعادة بيعه بالبحر بأسعار عالية، أثر أساسي في هذا الارتفاع.

كما أن الصين تعتبر الشريك الأول للاتحاد الاوربي ب ٥٨٦ مليار دولار ومع أمريكا ٤٧٠ مليار دولار، في حين التبادل التجاري من الصين إلى روسيا يبلغ ٦٨ مليار دولار.
كل هذه الأرقام تؤشر إلى أن غزو روسيا لأوكرانيا ونشوء أزمة لجوء جديدة سوف تدفع العقوبات الى منحى جديد عبر فرضها على كل من يساعد روسيا في غزوها، وهذا يفسر شمول العقوبات الى روسيا البيضاء، الأمر الذي سينتهي بعزل روسيا نهائياً عن العالم الخارجي فالصين لن تضحي بسوقها الكبيرة في العرب مقابل سوق روسيا الصغير نسبياً، كما أن توقف التعامل مع هذه الأسواق من قبل حلفاء الروس سوف يقود إلى انهيار عملاتهم، دون أن ننسى ان أسواق اليابان وشرق آسيا واستراليا هم حلفاء موثقين لدول الناتو .
وفي تطور مفاجئ في العلاقات بين البلدين، أوقف مصرفان صينيان تمويل مشتريات للسلع الروسية، ونقلت وكالة “بلومبرغ” أن مصرفين تمتلكهما الدولة الصينية أوقفا إصدار “اعتمادات مالية” بالدولار الأميركي لشراء سلع روسية جاهزة للتصدير، وقالت الوكالة إن خطوة المصرفين الصينيين تشير إلى وجود دعم محدود من بكين لحليفتها موسكو في الحرب على أوكرانيا.
كما أن توقف التعامل بالدولار بالتجارة البينية كما يشاع إعلاميا رغم خيالية الفكرة، صعب، فإن التخلص من الاحتياطيات وتغيير الأنظمة الاقتصادية يحتاج إلى عشرات السنوات من الازمات، إضافة إلى أن هذه العملات بالتجارة البينية هي عملات غير موثقة وتم تحويلها إلى سلع بشكل مباشر، أما الإمارات فإن موقفها الإنساني سوف يكلفها الكثير.
لكن خوف هذه الدول ليس فقط من العقوبات المباشرة، وإنما من تنامي الكراهية والدعوات العالمية لمقاطعة بضائع حلفاء روسيا مما يدخلها بكساد لن تستطيع الخروج منه.
لكن الخطر الأكبر على حلفاء روسيا وروسيا نفسها، ليس فقط هذه العقوبات، وإنما العقوبات المالية بفضل الرقمنة، مما يجعلهم عرضة لخسائر متتالية وهذا ما حدث الآن للأثرياء الروس الذين تراجعت ثروتهم بـ٣٢ مليار دولار ولازالت تتراجع، إضافة إلى تخفيض التصنيف الائتماني الذي يعتبر اخطر من العقوبات، وخروج روسيا من نظام “سويفت”، الأمر الذي تلوح به امريكا وبريطانيا، لان روسيا تتجاوزه بتحول مبيعاته الى دول اخرى وتتعامل بنظام ثنائي ، اما التخفيض الائتماني يجعل الاستثمارات غير موثوق بها.
كما أن إزالة هذه العقوبات يحتاج إلى وقت وتكاليف وهو غير متوفر لاقتصاد هش مثل الروسي أو الإماراتي أو الهندي وحتى الاقتصاد الصيني الخارج من وباء كورونا والعالق بالحرب الداخلية مع الشركات.
ويمكن لأوروبا أن تستغني عن الغاز الروسي باتباعها عدة خطط وسياسات تقشفية ، ونشر التوعية بعدالة القضية، لكن جشع الشركات ومحاولة الاتحاد الأوروبي للاستفادة من ارتفاع الأسعار بسحب السيولة للحد من التضخم، قد يحول دون ذلك.
لكن بالعودة لأزمة الغاز والسيطرة عليها، يمكن لأوروبا زيادة اعتمادها على النفط والفحم الحجري وهو منوط فقط بوصول الشحنات ووقت وصولها إضافة الى ، وأميركا تستطيع ان تتطوق روسيا بمد الغاز إلى أوروبا رغم انخفاض مؤشرات الاحتياطات الاستراتيجية، وهناك خطط كثيرة يمكن ان تجعل أوروبا تعبر الشتاء نحو الصيف بأقل الكلف، فأزمة الغاز يمكن أن تكون لشهرين فقط مع دخول الربيع، لكن الخوف من الشركات التي تسعى لزيادة الأرباح، هناك تيارات اقتصادية بدول الناتو، يريدون الاستفادة مما يحدث لزيادة مراكمة ثرواتهم كما حدث خلال وباء كورونا على وقع غياب المصالح القومية، فنحن نعيش الآن عصر الشركات.

إن غزو أوكرانيا جعل روسيا حالياً بفضاء خسارتها ويقفدها المكاسب التي حصلت عليها وكانت ستحصل لو انها استمرت بلعبة الضغط والبلوماسية .

اترك تعليق

مقالات ذات صلة