اقتصادي – خاص:
تراجع الضخ الإعلامي وشدة الحديث عن موعد أو قرب وصول الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا، فبعد إعلان جهات حكومية أردنية ومثلها مصرية أن موعد وصول الغاز والكهرباء سيكون في مطلع مارس المقبل، يبدو أن مصر والأردن تراجعتا عن موقفهما، تبعاً لمعطيات جيوسياسية وتقنية.
وكانت مصادر مقربة من الرئاسة اللبنانية قللت من إمكانية مد هذا الخط مع تعثر المفاوضات مع البنك الدولي، نتيجة عدم استقرار الحكومة اللبنانية من جهة وقرب الانتخابات النيابية، إضافة إلى ربط التمويل من البنك الدولي مع الترسيم الحدود البحري مع إسرائيل، الأمر الذي يرفضه “حزب الله” الشريك بتشكيل الحكومة اللبنانية من جهة، ومن جهة أخرى فشل لبنان بإجراء إصلاحات إدارية وتحرير أسعار الكهرباء واستقرار أسعار الصرف وهي من المتطلبات للحصول على قرض من البنك الدولي.
لكن الجديد، ليس عدم إنجاز خط الكهرباء ولا الغاز بسبب معوقات تمويلية من البنك الدولي على أهميتها، وإنما رفض الأردن ومصر تلك الإمدادات لأسباب جيوسياسية وتقنية.
فالأسباب الجيوسياسية يمكن حصها باختصار بـ:
1- الخوف من عقوبات مكلفة على الأردن ومصر وفق قانون “قيصر” خاصة مع توقعات بسيطرة الجمهوريين على انتخابات الكونغرس في نوفمبر القادم، الأمر الذي قد يعني إعادة محاسبة الدول المخترقة للقانون، في وقت تحاول في كل من مصر والاردن النهوض باقتصاداتهم من الركود وتحسينه.
2- الخوف من أن يؤدي استخدام خط الغاز لتطبيع العلاقات العربية مع الأسد، وبالتالي عودته الى حكم سوريا، ما يعني بشكل أو بآخر انتصار لروسيا وتحويل سوريا إلى قاعدة روسيا على المياه الدافئة.
3- الخوف من أن يقوم نظام الأسد بإجراء تفاوض مع النظام التركي لتمرير خط الغاز العربي وتفعيله، مقابل تخلي أنقرة عن دعم المعارضة، كما طالب وزير خارجية النظام فيصل مقداد، الأمر الذي يضع مصر في مواجهة التحالف الدولي، حيث لن يبقى وجود فعلي للمعارضة على أرض الواقع، وبالتالي ينتصر الأسد سياسياً، وتنفرد روسيا بالمشهد السوري، وتكون البداية لتمرير خط الغاز القادم من قطر الى تركيا وأوروبا لكن بتنسيق بين قطر وروسيا حول إنشاء أوبك الغاز، الأمر الذي يضعف الولايات المتحدة وتصبح روسيا قوة دولية واقتصادية فاعلة.
4- الخوف من العقوبات التي تستهدف النظام الروسي وأن تمتد إلى حلفائه والمتعاملين معه، فقد يؤدي إيصال الغاز والكهرباء عبر سوريا، إلى اعتبار الأردن ومصر من حلفاء روسيا، خاصة وأن ذلك سيزيد قوة النظام، وبالتالي تجد كل من عمان والقاهرة نفسيهما في مواجهة حلف “الناتو” وأوكرانيا.
5- مد الغاز والكهرباء إلى لبنان سيزيد من دعم النظام اللبناني بتركيبته الحالية، كما أنه دعم للنظام السوري حليف إيران، التي تقوم أذرعها في اليمن “الحوثيين” بمحاربة دول الخليج.
أما الأسباب التقنية فحسب موقع الجزيرة ” أن إسرائيل لن تستطيع أن تزيد كميات الغاز المصدرة إلى مصر في الفترة القادمة، والسبب أن القدرة الاستيعابية لشبكة إسرائيل الداخلية التي تنقل الغاز إلى مصر لا تتخطى 450 مليون قدم مكعب يومياً، وهي الطاقة الاستيعابية للأنابيب، وتقوم إسرائيل حالياً بزيادة القدرة الاستيعابية لتلك الشبكة، وهو ما لن يتحقق قبل مارس 2023، وبالتالي فإن كميات الغاز القادمة من إسرائيل إلى مصر لن تشهد أي زيادات خلال العام الجاري، وهذا يعني أن مصر ستواصل ضخ الغاز الذي تستقبله من إسرائيل إلى الأردن، ولكن لن تتمكن من ضخ المزيد إلى لبنان خلال 2022.
كما أن خط الغاز بتفرعاته الحالية، يواجه مشكلة فنية، تتمثل بتضارب خط الغاز من إسرائيل إلى الأردن، مع الخط من مصر إلى لبنان، وبالتالي يحتاج إلى تطوير بنية الخط.
ما يدعو للاستنتاج بأنه لن يكون هناك إيصال في الوقت القريب للغاز والكهرباء إلى لبنان، خاصة وأن المجتمع الدولي بات يعتبر لبنان دولة فاشلة، تحديداً بعد تخلي دول الخليج عنه، فضلاً عن وجود أولويات أكثر أهمية من لبنان الذي يرفض سياسيوه تحمل مسؤولياتهم لحل مشاكل بلدهم، في حين من المرجح أن العامل الأهم هو وجود إيران وأحلاف لها في لبنان وسوريا إضافة إلى الروس.