اقتصادي – خاص:
روّجت حكومة النظام أنها تقوم باتخاذ خطوات وقرارات احترازية لمواجهة الظروف الدولية المتغيرة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وماقد يتبعه من آثار على الأمن الغذائي العالمي، إلا أن كل ما تم الإعلان عنه لا يتعدى كونه إجراء شكلي خجول، لأنه لم يركز على المواد الهامة التي من شأنها إنقاذ الأمن الغذائي للسوريين بحق.
وقررت حكومة النظام يوم الأربعاء، إيقاف التصدير لمدة شهرين فقط لكل من “ثوم- بصل –بطاطا -سمنة نباتية- سمنة حيوانية- زبدة حيوانية- زيوت نباتية- بيض- زيت زيتون، إضافة الى تمديد قرار منع تصدير البقوليات بكافة أنواعها وأشكالها، والاستمرار بمنع تصدير “القمح، كافة المنتجات المصنوعة من القمح، مكرونة، الفروج”.
ويعتبر هذا الإجراء طبيعي في ضوء تخوف عالمي من أزمة غذاء قد تنشب نتيجة التوترات المتصاعدة بين أوكرانيا وروسيا، إن الخوف ليس من فقدان السلع بل من ارتفاع أسعارها العالمي مع أزمة النظام نتيجة إفلاس البنك المركزي من الاحتياطيات النقدية الأجنبية وعدم قدرته الحصول على ائتمان أو مساعدات، وهذا الأمر تصاعد مع موقف النظام الموالي لروسيا.
وجاء قرار المنع كتهدئة لسخط الشارع السوري من استمرار تردي الوضع المعيشي، ولرغبة حكومة النظام الإيحاء بأنها تمارس عملها بمهنية وتستجيب لمتطلبات المرحلة، ملقية اللوم في عجزها عن تأمين المستلزمات وسد الطلب المحلي، على الأزمة العالمية.
وعند النظر عميقاً في واقع كل مادة من المواد التي شملها قرار منع التصدير، تظهر بيانات تكشف ضعف تأثير القرار المتخذ، فمحصول البصل تم إتلافه لأن السعر الذي عرض لشرائه أقل من تكاليف إنتاجه، ففضل المزارعين إتلافه على بيعه بأقل من تكلفته، دون أن تتدخل الحكومة بتسويقه!
وزيت الزيتون تراجع إنتاجه نتيجة الاحتطاب والحرائق والجفاف، وخروج مناطق شمال شرق سوريا عدى المعارك التي أتلفت الشجر ومنع المزارعين من العودة إلى أراضيهم، وقدرت وزارة زراعة النظام نسبة تراجع إنتاج الزيتون في 2021 ولم يزد المحصول عن 645 ألف طن مقارنة بـ850 ألف طن في 2020، في حين دفع غلاء سعر زيت الزيتون في ظل تراجع القدرة الشرائية للسوريين إلى العزوف عن استهلاكه المعتاد، الأمر الذي شجع على تصديره، وسط ارتفاع مستمر لسعره الذي تجاوز 12 ألف ليرة لليتر.
أما الزيوت النباتية، فسوريا ليست من الدول المصدرة لها، بل تستورد الزيت بشكله الخام، وتتم عملية تكراره وتعبئته وبيعه داخلياً مع تصدير جزء بسيط أحياناً إلى العراق ولبنان، وكل ذلك يتم عن طريق أربع شركات مسيطرة على السوق السورية، هي:
فلورينا (طريف الأخرس، وانتقلت إلى سامر الفوز)، بروتينا (عصام أنبوبا)، فرزات (محمود فرزات)، والشركة الأهلية حماة.
أما محصول القمح، فقد خرج منذ سنوات من يد النظام، الذي يعاني أزمات في توفيره، خاصة بعد سيطرة “قسد” على مناطق زراعته، وقيامها ببيع المحصول إلى العراق وتركيا، فضلاً عن سيطرة روسيا على المطاحن.
وفيما يخص قطاع الدواجن من فروج وبيض، فهو يعاني سابقاً من صعوبات في تأمين مستلزمات الإنتاج وخاصة المحروقات والأدوية البيطرية، إضافة لخروج أعداد كبيرة من المربين وتراجع الإنتاج بالمحصلة.
ومن المتوقع أن تحمّل حكومة النظام التجار مسؤولية احتكار السلع، بهدف ابتزازهم للحصول على أموالهم وإعادة ترتيب وهندسة الطبقة التجارية.
فالقرار المتخذ، ليس أكثر من إجراء شكلي، خاصة وأن معظم الصادرات تتجه إلى الأراضي الروسية، والدول التي تعترف بالنظام، حيث أن الصادرات الأساسية لتلك الدول هي الحمضيات، ولم يرد ذكرها في قرار حكومة النظام، كونه غير قادر على إيقاف تصديرها كونها صعبة التخزين أولاً، وخارج حسابات المواطنين الذين يعانون ضعف القدرة الشرائية ثانياً.
ويبدو جليّاً أن النظام لا يريد التطرق إلى موضوع تصدير الفوسفات والأسمدة، التي كان يبيع حصته منهما إلى روسيا لسداد ثمن القمح المستورد منها، إضافة للاستفادة من عائداته في دفع ثمن النفط لإيران، فالآن وبعد توقف إيران عن إمداد النظام بالنفط منذ فترة ليست بالقصيرة، وبعد توقف روسيا عن بيعه القمح خاصة مع الأحداث في أوكرانيا، لماذا لا يتم الاستفادة من الأسمدة محلياً والتوقف عن منحها لروسيا، علماً أن ثمن الأسمدة مرتفع جداً، وهي أساسية لتحسين محاصيل استراتيجية كالقمح الذي نواجه نقص حاداً فيه وصعوبات في تأمينه؟