اقتصادي:
أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد، يوم السبت، مرسوما تشريعيا بمنح عفو عام عن “الجرائم الإرهابية” المرتكبة من السوريين، عدا “تلك التي أفضت إلى موت إنسان”.
وشمل المرسوم الجديد المنشور على صفحة رئاسة الجمهورية في “فيسبوك” الجرائم الإرهابية المرتكبة قبل تاريخ السبت 30 أبريل 2022.
ويتألف المرسوم من 3 مواد، تنص الأولى على أنه “يمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين عدا التي أفضت إلى موت إنسان والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم (19) لعام 2012 وقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (148) لعام 1949 وتعديلاته”.
بينما تقول المادة الثانية إن هذا العفو لا يؤثر على دعوى الحق الشخصي، و”للمضرور في جميع الأحوال أن يقيم دعواه أمام المحكمة المدنية المختصة”.
وتقول المادة الثالثة: “ينشر هذا المرسوم التشريعي في الجريدة الرسمية ويعد نافذا من تاريخ صدوره”.
وتحدث المرسوم عن الجرائم الإرهابية، وهو لا يقصد الجرائم التي ارتكبها أي أحد من طرف النظام، استنادا الى تعريف الإرهاب وحسب التعريف المصري الذي قدم بمجلس حقوق الإنسان الدورة الثالثة عشر، حيث عرف الفعل الإرهابي بأنه أي فعل:
– قد ارتكب ضد أفراد عامة السكان أو جزء منهم بقصد القتل أو إلحاق إصابة جسدية خطيرة أو أخذ رهائن.
– ارتكب بغرض إشاعة حالة من الرعب أو تخويف مجموعة سكانية، أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي فعل أو الامتناع عنه.
أي كما هو واضح بالتعريف اقتران الفعل الإرهابي بأنه ضد الحكومة!.
وبالتالي هذا العفو لا يأتي أكثر من محاولة الأسد اغلاق باب اعتبار أن عناصره قد قاموا بجرائم إرهابية ضد السوريين، واعتبار الثورة إرهابية وكل من ثاروا ضده، مستغلاً أزمة اللاجئين التي بدأت تعاني منها أوروبا على خلفية الحرب الأوكرانية ووصول اليمين المتطرف المناهض للاجئين الى نسب عالية بفرنسا و تركيا ، لإعادتهم ، واعطاء لحكومة باسيل شرعية لاتفاق مع الثنائي الشيعي حزب الله و أمل ، وخاصة أن حادثة غرق السفينة طرابلس وتهديد عون بإغراق أوروبا باللاجئين اليوم تصاعد علانية اكثر من كل مرة سابقة ، أوعليهم مد يد المساعدة للبنان واغداق الاموال عليه !!.
كما أن المرسوم بصورته الظاهرة يمنح الأردن ومصر وباقي الدول العربية الشرعية للتحرك باتجاه إعادة العلاقة مع النظام بحجة التنسيق لاعادة اللاجئين، مايدل على أن الأسد يستميت لإعادة تعويمه، وانه لا فرصة أمام نظامه دون استغلال هذه الفرصة الاخيرة الا من خلال المجتمع الدولي وحل القضية السورية ، والاستفادة من إصرار الامم المتحدة على اللجنة الدستورية، رغم اقرار غير بيدرسن وأعضاء المعارضة بفشلها، لتتحول الآن إلى التفاوض على عودة اللاجئين بدل الدستور والمرحلة الانتقالية ومناقشة جرائم النظام، مستفيدا من عزوف الأمريكان بقيادة الديمقراطيين و جو بايدن عن حل القضية السورية لعدم اثارة الأطراف التي يسعى الأمريكان للتهدئة معهم سواء الايرانيين أو العرب أو الروس، بحيث يوحي ان هذا المرسوم جاء بتنسيق سعودي إماراتي، في وقت تسعى فيه الأخيرتان لإعادة ترتيب المنطقة العربية بضوء اتفاق ايراني امريكي حول الملف النووي وأهم المخاوف المنطقة مما قد يترتب عليه هذا الاتفاق .
وتم إصدار المرسوم مستفيدا من الصخب في الشارع التركي حول اعادة اللاجئين السوريين، محرجاً الحكومة التركية واعطاء دعم للمعارضة التركية .
ويمنح هذا المرسوم رجال النظام وأجهزته الأمنية حصانة من أي جرائم حرب ارتكبوها، وألصق التهمة بالمعارضين، بما يتماشى مع رغبة النظام في أن تكون حكومته هي البوابة الرئيسية للحصول على المساعدات عبر إظهار تهيئة الظروف والبنى التحتية، فتكون أموال التعافي المبكر التي تحدثت عنها أوروبا، ورقة لإطلاق مشروعه لإعادة الإعمار، ويغلق باب المعابر الإنسانية امام التداول الدولي .
كما يمكن اعتبار المرسوم بمثابة ورقة انذار قبيل الهجوم على الشمال السوري، سواء مناطق قسد نتيجة ضعف الإدارة الأمريكية، أو مناطق غرب الفرات نتيجة الحالة التركية، حيث سيطالب بفتح المعابر بينه وبين تلك المناطق وفتح الحدود مع دول المجاورة ما يعني تهريب السلع والحوالات من جهة وإضعاف سلطات الأمر الواقع هناك وفتح الباب لاقتتال داخلي بفتح معابر الانسانية مما يدعم موقف الأسد.
ربما فرح بعض السوريون بأن هذا المرسوم سوف يقوم بتبيض المعتقلات، لكن هناك شكوك حول التنفيذ، فرغم إنه مرسوم ولا يحتاج لوائح تنفيذية، لكن هذا المرسوم يثير تساؤلات كثيرة، أولها دعوى الحق الشخصي حيث ذكرت المادة الثانية إن هذا العفو لا يؤثر على دعوى الحق الشخصي، و”للمضرور في جميع الأحوال أن يقيم دعواه أمام المحكمة المدنية المختصة”.
وهنا نستذكر ما نشرته سانا ب٢٦ تموز/ يوليو من عام ٢٠١٢ حول مرسوم إنشاء محكمة الارهاب ” حيث يقضي القانون بان يمثل الحق العام لدى المحكمة نيابة عامة خاصة بها يسمى رئيسها والاعضاء بمرسوم بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى.”
وهو ما يعني ان الحق العام هو ورقة ابقاء على المعتقلين، كما ان التقدم بطلب لإطلاق سراح المعتقلين يتطلب معرفة مكان تواجدهم، فلا سبيل للوصول إلى الأجهزة الأمنية أو سجن صيدنايا أو التعامل معهم، وبالتالي ينحصر هذا المرسوم بالسجون المركزية مثل عدرا وسويداء وحمص ..الخ، لكي يتم تقدم لإطلاق المعتقلين.
كما ان محكمة الارهاب بحسب احدى فقرات القانون الذي نشرته وكالة الانباء السورية “سانا”، يتألف من ثلاثة قضاة كل منهم بمرتبة مستشار رئيس، وعضوين أحدهما عسكري، وتتم تسميتهم بمرسوم بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى
وهو ما يعني انه ويخول، إضافة إلى صلاحياته، بصلاحيات قاضي الإحالةـ التي تنص عليها القوانين النافذة (أي أن قاضي التحقيق يحقق ويجرم بشكل نهائي ويحول إلى المحكمة مما يدل على الخرق الواضح للقوانين النافذة، ومنها قانون أصول المحاكمات الجزائية).
أما بالنسبة للأحكام الغيابية الصادرة عنها فلا تخضع لإعادة المحاكمة في حال إلقاء القبض على المحكوم عليه، إلا إذا كان قد سلم نفسه طواعية.
وهنا نشير ان معظم المعتقلين تحت التعذيب تم اعترفوا بحمل السلاح وقتل عسكريين !!، فهو لم يطلب باعادة المحاكمات ، بل ان هذا ينفي تطبيقه على المعتقلين، وبالتالي عدم ذكر ان يسلم نفسه بالمرسوم، هو احتيال على السوريين والعالم لأنه يتضمن ضمناً تسليم طوعية، كما أن اطلاق السراح يتطلب وجود محامي وقاضي يقبل الدعوى، وهذا متوقف على موافقات امنية ، وعلى الدور ، علماً أن الرشوة التي تدفع لتحول موقوف لدى امن الدولة الى القضاء بتهمة حيازة أو تداول الدولار وصلت الى ٣٠ الف دولار!، فكيف سيكون مكتب الدور المراد انشائه ؟.
كما يشوب المرسوم الكثير من الثغرات التقنية، فلا يوجد معلومات كثيرة حول أسماء السجانيين والمحققين الذين أجرموا بحق المعتقلين والذي شهد عليهم من استطاع الافلات من قبضتهم من المعتقلين، فمعظم المعتقلين لا يعلمون من هم سجانيهم نتيجة استخدام أسماء وهمية، فضلاً عن أن المرسوم يحاول إقصاء حقيقة وجود لجان دولية تحقق بجرائم الحرب، مثلما حدث مع مجزرة التضامن وغيرها التي لم تجد طريقاً لفضحهم.
إن هذا المرسوم لن يكون أكثر من قرار شكلي شأنه شأن الكثير من مراسيم العفو والهدنة السابقة التي لم تطبق، فهو مرسوم عن جميع العمليات الإرهابية أي أنه يشمل قضايا الإخوان المسلمين والتيارات الاسلامية وخصوم النظام الداخليين وكل المعتقلين قبل الثورة السورية، وإطلاق سراحهم قد يعيد الفوضى لصالحه كما حدث عندما تم إطلاق رجالته من الاسلاميين على الثورة السورية مما حرفها الى العسكرة ومن ثم الاسلمة وأبقى على المعتقلين من المواطنين السلميين.
ان اعتراف اي شخص من خلال تقدمه لطلب الحصول على العفو هو اعتراف بانه ارهابي ، وهو ما يصبح تحت المحاكمة وفق القانون الدولي ، وهو اعلى من اختصاص رئاسة مما يمكن من تجريمهم فيما بعد .