الرئيسية » قراءة اقتصادية لخطة الأسد بالتعامل مع الثورة السورية !
التضخم في سورية

قراءة اقتصادية لخطة الأسد بالتعامل مع الثورة السورية !

بواسطة Nour sy

اقتصادي – خاص:

بلغت الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها السوريون في مناطق النظام مستويات غير مسبوقة، حتى بات ثبات الوضع على حاله بمثابة حلم يهدده مزيد من الانهيار في كل يوم، فقد تجسد ظلام الحرب والقهر جلياً يومي 17 و18 يونيو بتعتيم عام أظهر الوضع المزري لمستوى الانهيار الاقتصادي لحكومة النظام، التي أبت الاعتراف باحتمال حدوث التعتيم العام إلى أن جاء ليثبت مدى استخفافها بشعب فقد كافة مقومات الحياة والأمل.
إن الظروف التي وصلت إليها سوريا في الوقت الحالي لم تأت عن عبث، بل هي نتيجة حتمية لإدارة سياسية واقتصادية كان وما زال جلّ اهتمامها الحفاظ على مكاسب طبقة معينة في المجتمع، دون الاعتماد على أي نهج اقتصادي أو خطط تحمي الركائز الأساسية الهامة لاستمرار الدولة.
إن ما سيرد في المقالة الآتية، تم إعداده في 20/11/2011، كنوع من التحذير لما هو قادم وآت على السوريين.

فالخطة الاقتصادية التي تُطبّق في سوريا الآن هي ذاتها خطة الثمانينيات (1980-1985)، رغم الحراك الشعبي وثورته، فقد قالها رأس النظام الحالي صراحة: إنّ هناك من يشعر أن وضعه جيد، لكن الأعراض ستظهر في يوم من الأيام..!. إنه تهديد صريح، لأن المنطق يقول: في حال انفرجت الأزمة، لابد وأن تعود الأمور إلى نصابها، بحيث تختفي آثارها مع الأيام، وليس العكس!.
يعتقد النظام أنه قادر على إخماد الثورة، واسترداد ما دفعه من فاتورة نقدية من جيوب الشعب؛ كعقوبة له من جهة، ومكافئة للزمرة الفاسدة التي أنشأها من جهة أخرى، وذلك بإطلاق يدها على مفاصل الدولة؛ كمكافئة لوقوفهم معه في أزمته كما يعتبرها هو.
وفي النهاية الشعب هو من سيبقى مقيدًا بالأغلال عبر أجياله القادمة، لأننا اليوم لن نتأثر كثيرًا إذ عايشنا الفقر والشتات في وطننا الذي لطالما سُرق، نحن لن نشعر بالفرق الكبير، لكن من سيشعر بوطأته وسيمتد إليه، هم أولادنا والأجيال القادمة، لمجرد المقارنة مع الحياة في العالم الخارجي.
ويعتبر انخفاض سعر صرف العملة السورية بالنسبة لباقي العملات الأجنبية، وبصورة خاصة بالنسبة للدولار الأمريكي، الحديث الشاغل لمعظم فئات الشعب، لكن السؤال المطروح: هل هذا الانخفاض نتيجة الظروف الحالية الراهنة فقط، أم أنه مرض عضال تعايش معه الجسد السوري بكل أطيافه بصمت؟
وما قصده الأسد بخطابه، بأن انخفاض قيمة الليرة السورية ليس العامل الوحيد المؤثر في الاقتصاد السوري، بل هناك عوامل أخرى تساند هذا الاقتصاد، ليس إلا تعبيرًا عن دراية بخطة تُعيد الأمور إلى نصابها بحسب ظن “القائد”. وهذه الخطة المكونة من مراحل ثلاث ليست إلا تطويرًا لوصفةٍ كان قد استخدمها الأسد الأب في أزمة الثمانينيات، فهذا هو حال الحكام دائمًا يسعون لتطبيق آخر وصفة ناجحة قاموا بها.
المرحلة الأولى:
يعمل النظام في الفترة الحالية على زيادة موارد القطر من القطع الأجنبي (وهي بروباغندا إعلامية لتخفيض العجز المتزايد في الميزان التجاري) وذلك باتخاذ الإجراءات الآتية:
1. ضغط الإنفاق الحكومي إلى الحد الأدنى الممكن، كنوع من بروباغندا إعلامية للإصلاح، باعتماده ما يلي:
أ – التخلي عن الإنفاق التفاخري للمسؤولين الإداريين، دون الأمنيين، (فرش المكاتب، الولائم الكبيرة، تخفيض نفقات الوقود، السيارات الفارهة… الخ).
ب – ترشيد استخدام وسائط النقل الحكومية، سواء من حيث تحديد مستوى الموظفين الذين يستفيدون من خدمة السيارة الرسمية، أو من حيث حصر استخدامها لأغراض العمل الرسمي.
2. تشديد الرقابة المطلقة على النقد، ومنع إخراج الرساميل والقطع الأجنبي من القطر إلى الخارج .
3. منع استيراد الكماليات تدريجيًا، وحصرها بأزلامه فقط، كلٍ حسب اختصاصه، وذلك من خلال رفع أسعارها في السوق المحلية، وتحديد الكميّات المستوردة منها.
4. حصر التجارة الخارجية للسلع الاستراتيجية بيد القطاع العام استيرادًا وتصديرًا بصورة تدريجية، وقصر دور القطاع الخاص على التوزيع داخل القطر، وفقًا لخطة زمنية تضعها الأجهزة التنفيذية الأمنية، مع إعطاء دور كبير للوسطاء (السماسرة) من أزلام النظام لتنفيذ الصفقات، سواء داخل البلد أو خارجه، إلى جانب الاحتيال على بعض الأشخاص للقيام بالوساطة والسمسرة ممن ليسوا محسوبين على النظام؛ وذلك بإقناعهم أن تنفيذ هذه الصفقات إنما هو لخدمة الوطن “من مبدأ ذرّ الرماد في العيون”.
5. وقف العمل بكل القرارات التي تسمح باستيراد السلع الأجنبية دون تحويل قيمتها عن طريق المصارف السورية، مع التمييز في سعر القطع الأجنبي الممنوح حسب طبيعة المستوردات: كمالية (بسعر السوق الموازية الذي سيعيد إنشاءه من جديد ) وضرورية بسعر السوق النظامية.
6. وضع يد الدولة على مدّخرات المواطنين من جميع العملات الموجودة في البنوك وشركات الصيرفة، وذلك من خلال تقييد حجم السحوبات النقدية، وإجبار هذه المؤسسات على إجراء مقايضة مع البنك المركزي؛ لتزويد الحكومة بالأموال، سواء السورية، أو الأجنبية، مقابل صكوك دين بفوائد لا تذكر .
7. زيادة عرض الليرة السورية في الأسواق المجاورة؛ لتأمين القطع الأجنبي؛ مما سيسهم في تدني قيمتها في السوق غير النظامية، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع نتيجة ارتفاع المواد المستوردة والتي تدخل في صناعة السلع المصنعة وطنيًا.
المرحلة الثانية:
بعد أن يرضخ الشعب، وللقضاء على أي تذمر داخلي، ستعمل الدولة على إشغال الأفراد بضغوط الحياة، فستعمل على:
1. وقف استيراد أية سلعة من سلع الاستهلاك النهائي التي يتوفر لها بديل كافٍ في السوق المحلية؛ بحجة تشغيل اليد العاملة في صناعات كانوا قد سيطروا عليها بشكل كامل خلال العقد الأخير (الألبسة الجاهزة، الصناعات الغذائية، وغيرها..)
2. منع استيراد الخضار والفواكه؛ لتنشيط الزراعة، مع استمرار التصدير إلى الدول الصديقة التي يتحكم بها أزلامه، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، أي “خلق فجوة غذائية كالتي حدثت في الثمانينيات رغم وجود منتجات غذائية”.
3. تحديد قيمة مستوردات القطاع الخاص بقيمة صادراته، والتي انخفضت إلى أدنى مستوياتها للتجار التقليديين.
4. محاولة إعادة بعض الرساميل النازحة إلى الخارج بشتى الطرق، سواء: الترغيبية، كإجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية الوهمية، وذلك بتوفير مجالات استثمار أمام القطاع الخاص في مجالات: البناء، والتجارة، والخدمات، التي يسيطر عليها الجيش الاقتصادي السوري بقيادة رامي مخلوف وإخوانه، والتي ستكون ذات صبغة فساد كما حدث خلال الأعوام السابقة، وذلك بمخططات تنظيمية تتلاءم مع أملاكهم وإمكانياتهم. والتي تكمن في أن معدلات الربح التي حققها القطاع الخاص كانت تفوق كل مخاطرة محتملة. ومن ثم ترك البقية ” ذات المخاطرة العالية” لعموم التجّار. أو القسرية التهديدية، داخل سوريا، أو خارجها، ذلك بما يملكون من ارتباطات مع الخارج.
5. الاعتماد الكبير على القروض الخارجية، من الدول الصديقة، والمنظمات الدولية، كصندوق النقد الدولي، بفوائد عالية، يحصلون مقابلها على عمولات عالية، لكن لحسابهم، أو عبر تمويل قسم كبير من مستورداتنا من سلع التكوين الرأسمالي على حسابها، والاستفادة من أن الوقت لم يحن لخدمة هذه القروض (أقساطها، وفوائدها) لبيان أن الوضع الاقتصادي عاد لطبيعته، من خلال سعر صرف الدولار بشكل اسمي فقط؛ وذلك لسدّ الطلب المتزايد على المستوردات الاستهلاكية. وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ التمويل بهذه الطرق سيربك الاقتصاد فيما بعد؛ بتسديد فوائد قرض على مشاريع لن تنجز، وكان من المفترض أن تُسدَّد أعباؤه من دخل نشاطها.
6. الاستفادة من الارتفاع السريع القفزوي في أسعار البترول، ونقل الطاقة، وذلك بالسماح بمرور خطوط نقل الطاقة من الأراضي السورية، لقاء أن يتم تشغيل نسبة من العمالة السورية، وتحصيل رسم بسيط لمرورها؛ كنوع من الإنجاز، في حين أن الرسم الحقيقي يتم قبضه كنوع من العمولات؛ كون أسعار النقل تشكل 80% من تكلفة الطاقة.
7. فتح الباب على أوسع مدى للسياحة الصفراء، كالسماح بفتح دور للقمار، والملاهي الليلية، خصوصاً أن الأزمة خلقت رد فعل على الدين الذي تمسك به الثوار كشعار لهم.
8. إقامة بعض الشركات العربية المشتركة، ذات الصبغة الفاسدة، مع أصدقاء النظام القدامى؛ لاختراق الحصار الاقتصادي، مثل الكويتيين الذين عملوا على غسل أموال للنظام السوري سابقًا، والذين سدّدوا حصصها في رأس المال بالقطع الأجنبي، على أن يستردوها فيما بعد مع أرباح مغرية.
9. منع السوريين من مغادرة سوريا إلا في حالات إنسانية، وذلك بحجة أن ذلك يستهلك القطع الأجنبي، عبر زيادة إنفاقه في الأقطار العربية المجاورة؛ بهدف إرهاب الشعب، وإعادة السيطرة عليه من نقطة الصفر، مع إيجاد الصيغة القانونية والتنظيمية اللازمة، والتي تضمن الحكومة بها أن يحوّل كل مواطن سوري يحصل على إعارة لدى الحكومات الأجنبية، أو المؤسسات العربية والدولية، أو يحصل على جواز سفر بقصد العمل في الخارج، نسبة معينة من دخله، أو حدًّا أدنى معقولًا بالقطع الأجنبي إلى داخل القطر، وبيعه للمصارف الحكومية بسعر السوق الموازية، أو بسعر تشجيعي آخر. كذلك إيجاد الصيغة التنظيمية الكفيلة بإلزام الوكلاء التجاريين، وممثلي الشركات الأجنبية، ممن هم خارج الجيش الاقتصادي الفاسد – إما بالشراكة، أو؟؟ تسليم نسبة مئوية من قيمة مستوردات القطر من منتجات الشركة التي يمثلونها بالقطع الأجنبي إلى المصارف الحكومية، بما يعادل العمولات التي تحسب لهم، أسوة بما يعامل به المصدِّرون من القطاع الخاص.
كما سيتخلل الوضع الاقتصادي بعض الاضطرابات الداخلية التي سيفتعلها النظام في الوضع السياسي الداخلي، وسيرجعونها بالتأكيد إلى القوى الرجعية؛ لإرهاب المواطنين، وتصفية الطبقة الاقتصادية غير المتعاونة، وخاصة الذين حوّلوا موجوداتهم إلى عملات أجنبية قابلة للتحويل، وأخرجوها إلى بلد آخر، ولم يمدّوا للنظام يد المساعدة خلال أزمته.
المرحلة الثالثة والأخيرة:
سيعمل النظام على:
1. رفع الدعم عن السلع الأساسية؛ بحجة انخفاض قدرة الدولة على تقديمها، وطرحها للخصخصة “وهو ما تم تنفيذه سابقًا، وأوقفته الثورة السورية. حيث كانت الخطة تقتضي تبديل عدادات الكهرباء بأخرى إلكترونية، ورفع سعر الكيلو واط إلى 7 ليرات، ومن ثم تقديم الوقود لرجال الأعمال المستثمرين بسعر مدعوم، مقابل تقديم المولّدات لإنتاج الطاقة”.
2. منع السوريين المقيمين في القطر من فتح حسابات في المصارف الأجنبية، وفرض عقوبات مالية وجزائية على المخالفين.
3. فتح مخازن السوق الحرة للسوريين الذين تتوفر لديهم عملات أجنبية، سواء القادمين من الخارج، أو العاملين لدى البعثات الدبلوماسية والمنظمات العالمية.
4. جمع ما بقي مع الناس من قطع أجنبي، ممن لم تشملهم الإصلاحات السابقة، من خلال تشجيع الادخار، ورفع نسبته، وذلك باستخدام قنوات ادّخارية جديدة، إضافة للقائم منها حاليًا، وذلك من خلال:
أ‌- رفع معدلات الفائدة لجذب الأموال المسحوبة من المصارف، مع الخوف من السرقة.
ب‌- ولأن قسماً كبيراً من مواطنينا مازال حتى الآن يعتبر الفائدة المصرفية رِبا حرام، فيحجم عن إيداع مدّخراته في المصارف، وفي هذه الحالة مهما رُفِع معدل الفائدة فلا يمكن جذب هذه الادّخارات، لذا سيعتمد على طرق غيرها، أهمها:
• إقامة شركات مساهمة مشتركة تمتلك الدولة 51% من أسهمها “مع بعض الاستثناءات للشركات القابضة “، وطرح الباقي على الاكتتاب، على أن تكون قيمة السهم منخفضة وضمن الشروط المقبولة.
• فتح صناديق ادّخار جديدة، يحق للمودعين فيها دفعات شهرية منتظمة، وعند بلوغ المدّخرات حدًّا معينًا، يمكنهم الحصول على سلعة أو خدمة يزداد الطلب عليها وهي غير متوفرة في السوق، مثل: قطعة أرض في ضواحي المدن (مناطق تنظيم جديدة)، أو على الساحل، أو في المصايف، أو قطعة أرض زراعية في مناطق خصبة، أو سيارة مثلًا، وغير ذلك.
5. إعادة النظر في التشريعات الضريبية القائمة وتحسين الجباية؛ برفع حصة الرسوم والضرائب من الناتج القومي إلى مستوى معقول.
وبالتأكيد كل تلك الإجراءات ستعيد قيمة الليرة السورية إلى حد الأمان المزعوم، لتبدأ الحكومة القادمة ببناء الاقتصاد السوري على هذا الأساس الهرم.
ورغم عدم اقتناع البعض بأن النظام يعمل على تطبيق هذه الوصفة، لكنها _كما ذكرنا آنفًا_ وصفة طبقها النظام سابقاً على الشعب السوري، وسيعيد تطبيقها فورًا كلما سنحت له الفرصة، وصولًا للتطبيق الكامل خلال فترة قريبة. وللتأكيد “انظر للقرارات الحالية، ولخطابات المسئولين، تجدهم قد بدؤوا بتنفيذها”.

اترك تعليق

مقالات ذات صلة