اقتصادي – خاص:
أظهر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام عمرو سالم، حالة التناقض والفوضى التي يعيشها أصحاب القرار الاقتصادي في النظام السوري، فبعد أن أوضح الوزير سالم سابقاً، أنه لا يمكن تحرير الأسعار لأن هذه الخطوة يتطلب تطبيقها توفر حالة من الرخاء الاقتصادي في بيئة لا تخضع فيه القوى الاقتصادية لعقوبات وعقبات مختلفة تقيدها، داعياً القضاء السوري للتشدد في عقوبة المخالفين وتفعيل المرسوم رقم ٨ لجهة التزام التجار والباعة بالنشرات السعرية وأن تكون عقوبة عدم الالتزام تصل إلى مدة ٧ سنوات من السجن، مع مصادرة البضائع وطرحها للبيع بسعر التكلفة في صالات “السورية للتجارة” التابعة لوزارته، قام سالم نفسه بتاريخ 16 كانون الثاني/ يناير الحالي بمخالفة كل تلك المساعي، بإصدار تعميم يطلب فيه من مديريات التجارة الداخلية بمتابعة الأسواق الداخلية والتحقق من مدى التزام الفعاليات بتداول فواتير الشراء الحقيقية بدءا من المستورد إلى تاجر الجملة إلى بائع المفرق، فضلاً عن إنهاء العمل بنشرة الأسعار رقم 7.
لقد ضربت هذه الخطوة بعرض الحائط، كل نفوذ لوزارة التجارة ودوريات التموين على الأسواق والتجار، وان حجة الوازرة التجارة الداخلية بأن إلغاء بنود الكلفة سوف يتيح قوننة للسوق واعتماد على آلية العرض والطلب، لا ينطبق على السوق السورية، التي تعاني شحاً في المواد والسلع والخدمات أيضاً، فاعتماد الفواتير المنتج/المستورد فقط في ضبط السوق، يعني انتقال السيطرة على السوق مباشرة من الوزارة التجارة الداخلية ودوريات التموين وكلياً إلى المكتب السري للجمارك الذي يخضع لإدارة المكتب المالي بالقصر الذي يرأسه يسار إبراهيم، إذ يفرض غرامة قدرها 100 ألف دولار على من يتم ضبطه يتعامل بالدولار تدفع له .
لقد تم الترويج لتقبل التعميم عبر الحديث بأن اعتماد الفواتير يهدف لزيادة عرض المنتجات، والذي يقوم بدوره بتخفيض السعر بداية بنسبة 10% ثم تصل إلى 40% خلال ثلاثة أشهر، نتيجة الوفرة، لكن ذلك يهمل نقطة أساسية هي أن القيمة الشرائية لليرة السورية منخفضة ولا تسمح بشراء السلع، فهذه السلع متوفرة بالسوق أساساً، ولا يمكن للمواطن السوري شرائها بسبب غلائها، كما أن قرارات البنك المركزي مثل القرار (1070 و١.٧١ و المرسوم ٣ ) تمنع تداول وتوفير الدولار للتجار، ما جعل عملية الاستيراد بالغة الصعوبة ومحصورة بأشخاص معينين، كما أن التفاؤل بوفرة الإنتاج يهمل الدورة الإنتاجية في سوريا التي تحتاج إلى ٦ أشهر، بينما تحتاج الدورة التجارية لـ ٤٥ يوم، إضافة لعدم احتساب سعر المحروقات في التركيبة السعرية للمنتج.
وواصلت وزارة التجارة الداخلية الترويج لهذا التعميم، من خلال الحديث عن قدرتها على ضبط الأسعار بالاعتماد على لائحة تحديد الأرباح، بناء على القانون رقم 4 /2021 والذي حدد أرباح كل حلقة تجارية سواء مستورد( 10-20%) أو منتج (25%) أو تاجر جملة (١٠%) أو تاجر مفرق (30%)، إلا أن هذه نسبة القليلة لن تشجع المستورد على المخاطرة بتجميد مبالغ ضخمة لحين بيع البضائع اذا ما قورنت بالوقت الذي تحتاجه لتصريف البضائع وتحويله الى دولار الذي يتغير سعر كل يوم عدة مرات ارتفاعاً وإضافة الى صعوبة إيجاد دولار بديل عن الدول المستثمر بالبضائع في السوق، فكلفة التغير في سعر الدولار أكثر من نسب الأرباح المحددة من قبل الوزارة، لذا من المستبعد أن تنجح هذه الآلية في ضبط الأسعار في الأسواق.
ومن جهة أخرى، نجد أن هذا التعميم جاء متكاملاً مع حزمة القرارات التي أصدرتها حكومة النظام، والتي تتماشى مع إعطاء صلاحيات السوق لمن يملك الدولار للاستيراد وفق شروط الضابطة الجمركية، ما يجعل السوق تحت سطوتهم، حيث أن هذا القرارات ترسم بيئة غسيل أموال متكاملة، فقد صدر قرار بتعديل آلية تمويل المستوردات، يسمح للتاجر المستورد ببيع البضائع والاحتفاظ بالقطع الأجنبي لتمويل مستورداته، وبالتالي ممكن إخراج فواكه واحتساب أرباحها كتجارة الكبتاغون، ومن ثمن استخدام هذه الأرباح لاستيراد سلع لتغطية احتياج السوق السورية والمنظمات الأممية، وهذا ما نبه منه رئيس غرفة صناعة حلب وعضو “مجلس الشعب” السابق فارس الشهابي والذي دعاه بالتصدير الوهمي.
لذا يمكن القول إن هذه الخطوة جعلت من المستورد متحكماً بالأسعار وبآلية التسعير، ما يتيح لكل من أولئك القادرين على الاستيراد تشكيل فئة تابعة لهم مكونة من تجار جملة ومفرق، ويصبح البلد مقسماً لقطاعات صغيرة دون أن يكون هناك دور لوزارة التجارة إلا بتسعير السلع المحلية مثل الخضروات والفواكه، وهذا فيه قضاء على الصناعة الوطنية التي يدعو الكثير من السوريين إلى التشجيع على عودتها.
وحين البحث في التعميم، يمكن أن نرى نقاط إيجابية لابد من التنويه لها، أبرزها إجبار الفعاليات التجارية على تداول الفواتير، فذلك سيرفد وزارة المالية في حكومة النظام، بالأموال اللازمة لها، إضافة إلى أن هذه الفواتير التي تشكل وسيلة لمعرفة مدى الالتزام بتحديد الأرباح، ستكون بمثابة “خط عودة” لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك للعودة الى ممارسة دورها.
النقطة الإيجابية الثانية، أنه يعتبر شكلاً من أشكال تقييد المرسوم رقم 3 لعام 2020 الذي يعاقب كل من يتعامل بغير الليرة السورية، وإن كان لصالح فئات معينة، وتحديداً التي تدعم أسماء الأسد.
كما أن تفاصيل التعميم يأتي كذلك كرسالة رفض ورد على رامي مخلوف الذي دعا لتوحيد جبهات التجار والصناعيين في مواجهة الوضع السيء، فهذا تعزيز لدور المكتب السري التابع للمكتب المالي الذي لعب دور بارز في محاربة رامي وتفكيك نفوذه، ورفض لأي شخص آخر يحاول مقاسمة أسماء إدارة مؤسسات الدولة وشؤون المواطنين.