الرئيسية » عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.. كيف يؤثر على مشروع الإدارة الذاتية؟

عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.. كيف يؤثر على مشروع الإدارة الذاتية؟

بواسطة يونس الكريم

لم تفوت “الإدارة الذاتية” الكردية شمال شرقي سوريا، فرصة الإدلاء بدلوها خشية “ضياع مكتسباتها” عقب قرار إعادة نظام بشار الأسد لشغل مقعد البلاد بالجامعة العربية في 7 مايو/أيار 2023.

فمع تمسك “الإدارة الذاتية” بفكرة الانفصال والبحث عن الاعتراف الدولي بحكم ذاتي لها، تجد نفسها مضطرة لأن تكون جزءا من الحل السياسي بسوريا عقب الانفتاح العربي الجديد مع نظام الأسد.

لعب أدوار

إذ سارعت “الإدارة الذاتية” الكردية التي تحظى بدعم الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، للترحيب بقرار الجامعة العربية المذكور، معتبرة أنها خطوة إيجابية ومهمة لدفع العملية السياسية بسوريا.

ونشرت “الإدارة الذاتية” بيانا في 11 مايو/أيار 2023، أعربت فيه عن أنها “يمكنها أن تلعب دورا مهما في الحل السياسي لما تمتلكه من إمكانات سياسية واقتصادية وأمنية وإنسانية، وعلى الدول العربية التواصل مع جميع السوريين وليس مع طرف واحد على حساب الآخر”.

كما أبدت “الإدارة الذاتية” استعدادها “للمساهمة في العمل مع الدول العربية والأمم المتحدة، حول القضايا الأساسية التي تتطلب جهودا مشتركة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والمخدرات وملف اللاجئين السوريين في دول الجوار”.

وينطلق موقف “الإدارة الذاتية” هذا من عدم الاعتراف بها سواء من قبل نظام الأسد أو المعارضة السورية، على الرغم من سيطرتها عبر ذراعها العسكري قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على مناطق واسعة في أربع محافظات (الحسكة، الرقة، ديرالزور، حلب) أي بنسبة 22.9 بالمئة، وفق إحصائيات متطابقة.

إذ فشلت خلال السنوات الماضية محادثات متكررة بوساطة روسية بين النظام السوري وقوات قسد في التوصل لتفاهمات حول طبيعة السيطرة وعودة النظام لمناطقها ودمج قواتها في “الجيش السوري”.

بدوره، يعد الائتلاف الوطني السوري المعارض، “الإدارة الذاتية” الكردية، كيانا يسعى لسلخ أراضي سوريا وتحقيق حلم كيان انفصالي، ولا سيما بعد تهجير الكثير من السكان العرب من قراهم ومدنهم بقوة السلاح الأميركي.

و”الإدارة الذاتية” التي تتركز في مناطق سيطرتها 90 بالمئة من ثروتي النفط والغاز فضلا عن مناطق زراعية خصبة واسعة، لا تحظى بأي تمثيل سياسي داخل أجسام المعارضة الرسمية.

ومما يزيد ضعف موقف “الإدارة الذاتية” هو المناهضة التركية لوجودها، إذ تنظر أنقرة لها على أنها تهديد لأمنها القومي وتسعى لاجتثاثها من على حدودها الجنوبية.

ولأجل ذلك شنت أنقرة بتحالف مع الجيش الوطني السوري المعارض عمليتين عسكريتين ضد قوات قسد.

الأولى حملت اسم “غصن الزيتون” في 20 يناير/كانون الثاني 2018، جرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب، والعملية الثانية في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وسميت “نبع السلام” وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة.

وآنذاك جرى إبعاد قوات “قسد” مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية، وبذلك قطعت أنقرة الطريق أمام محاولاتها، وصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها تربط محافظات “الحسكة، الرقة، حلب”، لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدودها.

وتريد أنقرة تحويل ذاك الشريط الحدودي إلى منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا، للسوريين الفارين من بطش نظام الأسد.

وتوعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 23 مايو/أيار 2022، بشن عملية عسكرية ضد قوات “قسد”، بهدف استكمال “الحزام الأمني” عند حدود تركيا الجنوبية.

تثبيت المكاسب

ويرى مراقبون أن “الإدارة الذاتية” الكردية، تحاول استغلال عودة سوريا للجامعة العربية “لتثبت مكتسباتها” وضمان عدم شن تركيا عملية عسكرية ثالثة ضدها تقلم أظافرها وتضعف أوراقها التفاوضية.

وتنظر “الإدارة الذاتية”، إلى أنها يمكن أن تحصل على حقائب وزارية في مستقبل سوريا بما يعوضها عن “حلم الحكم الذاتي”، إلا أن هذه الرغبة غير مضمونة لها، لكون المناطق التي تسيطر عليها أصلا ذات غالبية عربية ولا تمثلها بالأصل بل تسيطر عليها بدعم أميركي.

ففي منتصف يوليو/ تموز 2022، اضطرت قوات قسد” لإدخال قوات النظام السوري إلى مناطقها بريف حلب لصد أي هجوم تركي محتمل ضدها، ووقتها ارتفع منسوب المفاوضات بوساطة روسية بين قوات سوريا الديمقراطية والأسد حول مستقبل مناطقها.

وحينها أكد الباحث السوري يونس الكريم، “أن قسد طالبت نظام الأسد بالحصول على ثلاث حقائب وزارية بحكومة الأسد الجديدة وإحداها سيادية، مقابل السماح بدخول قوات النظام لمناطقها”.

لكن المفاوضات بين قسد ونظام الأسد فشلت ولم تصل إلى أي نتيجة، ولعل مصير قوات الأولى هو العقبة الكبرى أمام التقارب بينهما.

إذ يطالب قائد “قسد”، مظلوم عبدي، بأن تحافظ المليشيا الخاصة به على “وجودها التنظيمي العسكري وتحمي المناطق التي تنتشر فيها شمالي وشرقي سوريا كجزء رسمي من الجيش السوري”.

وأوضح عبدي في مقابلة أجرتها معه قناة “رووداو”، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أن النظام السوري “يقبل أن تكون قسد جزءا من قواته، لكن دون أن تكون لهذه القوات خصوصيتها واستقلاليتها العسكرية”

ويسكن في تلك المناطق ذات الغالبية العربية نحو 2.5 مليون نسمة من إجمالي 23 مليونا لجأ منهم نحو 7 ملايين إلى الخارج بعد الحرب، بينما تعرف هذه المناطق بسلة غذاء سوريا.

ويبلغ تعداد قوات قسد التي تأسست في أكتوبر/تشرين الأول 2015 نحو 45 ألف مقاتل ومقاتلة على أقل تقدير حسب بيان لوزارة الدفاع الأميركية، أكثر من نصفهم من العرب، وما تبقى خليط من الكرد وبعض الإثنيات.

وتنتشر القوات الأميركية في 11 قاعدة ونقطة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات “قسد”.

وبحسب موقع “الجيش الأميركي”، فإن واشنطن كانت تحتفظ بـ 900 جندي شمال شرق سوريا، من أصل 2000 عسكري، كانوا فيها قبل سحبهم إلى غرب العراق، بموجب قرار انسحاب أعلنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نهاية 2018.

وينظر إلى هذه القوة الأميركية الصغيرة نسبيا على أنها رادع لروسيا وقوات النظام السوري من التقدم والسيطرة على حقول النفط أو قضم مناطق “قسد”.

وبما أن الجامعة العربية تنادي بوحدة الأراضي السورية، فإن ذلك يقطع الطريق كذلك أمام أي فكرة لتبني حكم ذاتي في شمال شرقي سوريا.

ولهذا تخشى قوات “قسد” إعادة تطبيق اتفاق أضنة المبرم بين تركيا وسوريا كثمرة للتقارب الجديد بين أنقرة ودمشق.

وتقضي اتفاقية أضنة الموقعة بين دمشق وأنقرة عام 1998 بأن تتوقف الأولى عن دعم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، وعدم السماح لعناصر الحزب في الخارج بدخول سوريا، وحظر أنشطة الحزب والمنظمات التابعة له على أراضيها.

كما تسمح الاتفاقية لتركيا بتعقب عناصر التنظيم داخل الأراضي السورية بعمق 5 كيلومترات.

وتريد تركيا حاليا توسيع اتفاقية أضنة لتشمل حق الدخول مسافة 30 كيلومترا بسوريا، بما يشمل الممر الأمني الذي تسعى لإقامته أنقرة وطرد فروع “بي كا كا” منه.

استغلال التقارب

وفي هذا السياق، يرى مدير البحوث بمركز عمران للدراسات الإستراتيجية، معن طلاع، أنه “على الرغم مما يشهده الملف السوري من تحريك في ملفات عدة ارتبطت بسياق عودة التطبيع العربي والتركي مع نظام الأسد مع الإقرار بأن لكل مسار ظروفه، فإن المشهد الجغرافي على الأرض لن يتغير قيد أنمله”.

وأضاف طلاع، أن “مفاتيح تغيير الجغرافيا العسكرية مرتبطة بثلاثة عوامل رئيسة لم تتغير ولا توجد مؤشرات وازنة لتغييرها في السنوات المقبلة”.

المؤشر الأول، “مرتبط بتعافي النظام السوري الاقتصادي وقدرته مرة ثانية على إعادة بناء شبكاته العسكرية والأمنية واستثمار الانفتاح السياسي معه وعكسها على عمليات عسكرية تنهي وقف إطلاق النار السائد من عام 2018”.

ومضى يقول: “لذلك فإن العامل الاقتصادي معطل بسبب بقاء العقوبات الغربية على النظام السوري كما أن الوجود التركي بسوريا مرتبط بعاملين حاسمين”.

هما عدم وجود مؤشرات جادة على إنهاء القدرة العسكرية والأمنية والإدارية لقوات قسد، والتي ما تزال تمتلك كل أسباب التمدد والدعم الأميركي الذي بات يبحث عن استدامة هذا المشروع عبر البحث عن أوعية مالية نوعية لإدارة ملفات التنمية والتعافي في شمال شرقي سوريا.

والعامل الثاني هو “قناعة أنقرة بأن عدم التوصل لصيغة من صيغ الاستقرار في المشهد السوري ستؤدي إلى ضغوطات اجتماعية كبرى في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا وخشية حدوث موجات نزوح جديدة تعطل آليات برامج عودة اللاجئين السوريين في تركيا”، بحسب طلاع.

أما القضية الثالثة المؤثرة، هي “التواجد الأميركي نفسه وهو مرتبط بانسحاب عسكري محتمل لكن ليس متوقعا في الوقت المنظور وخاصة أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان كشف الكثير من العيوب في الإستراتيجيات الأميركية المتبعة”.

واستدرك قائلا: “وبالتالي فإن التموضع الأميركي في سوريا نوعي وليس كميا وهو لديه قدرة على ضبط حدود المشهد السياسي، كما أن واشنطن ترى أن المشهد السوري وصل لصيغة من الاستقرار وإن كانت هشة”.

لكن واشنطن لا تمتلك أدوات الدفع نحو إنجاز عملية سياسية بجنيف كما يقرر قرار مجلس الأمن 2254 حول الحل السياسي بسوريا وهذا يرتبط بتطورات المشهد في أوكرانيا كون روسيا تقدم استعصاءات للحل السوري، وفق قوله.

وانتقدت الولايات المتحدة، قرار جامعة الدول العربية استئناف مشاركة النظام السوري ووفوده في اجتماعاتها.

إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، فيدانت باتيل في 9 مايو: “ما زلنا نعتقد أننا لن نطبع علاقاتنا مع نظام الأسد ولا ندعم حلفاءنا وشركاءنا في القيام بذلك”.

وينظر مدير البحوث بمركز “عمران” إلى أن تلك المعطيات “حاسمة لتغيير الجغرافية العسكرية السورية وبالتالي فإنه لا يمكن النظر إلى أي انتعاشة سياسية قد تؤدي إلى تغيير الصيغة الحاكمة في سوريا”.

وذهب طلاع للقول: “الإدارة الذاتية الكردية تستطيع استغلال التقارب مع النظام السوري وهذا ما يتضح من تكثيف تحركاتها الدبلوماسية وتصريحاتها السياسية التي تلمح لاستعدادها لأي تفاوض جديد”.

ولا سيما أن “قسد طرحت أخيرا مبادرات آنية مثل دعوتها لاستقبال السوريين الفارين من حرب السودان وكذلك اللاجئين في لبنان إلى مواقع سيطرتها في شمال شرقي سوريا”.

كما طرحت رؤيتها للحل بسوريا بالتزامن مع الحديث عن المبادرة العربية للحل السياسي فضلا عن طرح رغبتها في إنجاز تفاهمات مع المعارضة، وفق طلاع.

وختم بالقول: “هذه المعطيات وإن كان فيها الكثير من الدوافع لتغيير المشهد الراهن، فإن الحراك العربي يحاول الفصل بين عودة النظام السوري للجامعة والتطبيع معه وبين الحل بسوريا”.

المقالة منشرة على موقع صحيفة الاستقلال.

اترك تعليق

مقالات ذات صلة