الرئيسية » مخاوف من تحول إعادة إعمار سوريا إلى “جائزة ترضية” لأمراء الحرب

مخاوف من تحول إعادة إعمار سوريا إلى “جائزة ترضية” لأمراء الحرب

بواسطة إقتصادي

جنى العيسى

تعد إعادة الإعمار من أبرز الملفات الاقتصادية التي يجري الحديث عنها في الملف السوري، وهي أحد التحديات الصعبة جدًا في حال خروج سوريا من مرحلة الحرب إلى الانتقال السياسي وبعدها إعادة الإعمار.

ويعتبر الملف دسمًا لما فيه من مكاسب ومصالح كبيرة للأطراف التي ستنخرط فيه، الأمر الذي يجعله وسيلة منافسة للسيطرة على إعادة الإعمار ومنها على المستقبل الاقتصادي للبلاد.

ضمن “المؤتمر الثالث للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية”، في نهاية نيسان الماضي، الذي حضرته عنب بلدي، ناقش الباحث في الشؤون الاقتصادية، والمدير التنفيذي لمنصة “اقتصادي”، يونس الكريم، دراسة بحثية بعنوان ” إعادة الإعمار ودور أمراء الحرب (رواد الأعمال المجرمون)”.

وعبر تجارب سابقة كالتجربة الروسية والعراقية واللبنانية، اعتبر الباحث أنه غالبًا ما يتسلّم ملف إعادة الإعمار في دولة عاشت حربًا لسنوات طويلة أبطال الحرب أنفسهم، إذ يتحولون حينها للعب دور بارز كصانعي سلام، على اعتبار أنهم يملكون الجماهيرية والشرعية الوطنية، وحتى العلاقات الدولية التي تجعل من الصعب تحديهم أو التشكيك بقدراتهم.

اعتبر الباحث أن مجرم الحرب هو “من يكون قويًا، عندما تكون الدولة ضعيفة”، موضحًا أن مشكلة الدراسة تكمن في أن أمراء الحرب يملكون نفوذًا كبيرًا في الواقع السوري، سواء الموالون للنظام أو للمعارضة، أو جهة أخرى تسمي نفسها أطرافًا ثالثة، المقصود بها “المجتمع المدني”، متسائلًا حول مدى وجود دور مستقبلي للأخير في ملف إعادة الإعمار وأثره على ذلك الملف.

 

“تحجيم” لضبط الانتهاكات

“مهما حاولنا تحييد أمراء الحرب، والقول بشكل مسبق إنه لن يكون لهم دور وأثر في مرحلة السلام، نحن لا نرى الحقيقة، فأمراء الحرب سيكون لهم دور سياسي واقتصادي في مرحلة ما بعد الحرب، الأمر الذي سينتج عنه وضع “هش للسلام”، وفق ما يراه الباحث في الشؤون الاقتصادية يونس الكريم، في لقاء أجرته عنب بلدي معه على هامش مؤتمر “حرمون”.

وحول أهمية البحث، أوضح الكريم أن من المهم الوصول إلى عدة نتائج تتمثل بطريقة تقليص دور أمراء الحرب خلال مرحلة إعادة الإعمار، وكيفية إطلاق العملية باتجاه الإعمار ثم التنمية، ومعرفة أسباب الفساد في هذه المرحلة وآليات تكونه، وكيفية تقسيم الأدوار ومراحل إعادة الإعمار، والتعريف بمصادر التمويل وتجاوز الصعوبات، بالإضافة إلى تسليط الضوء على إعادة بناء مؤسسات الدولة بعيدًا عن الفساد والمحسوبية.

وسلّط  تقرير صادر عن “البرنامج السوري للتطوير القانوني“، في 2019، الضوء على الأنشطة المتعلقة بالأعمال التجارية التي قد تسهم في جرائم دولية وانتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا، وتوقع التقرير أن تخلق عملية إعادة الإعمار بيئة مناسبة لمزيد من الجرائم الدولية، وانتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة بالأعمال التجارية.

وأظهرت المعلومات المقدمة فيه، أن من المحتمل أن يكون عدد من اللاعبين الدوليين قد اشتركوا في ارتكاب جرائم دولية وانتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا، ومن بين الضالعين في ذلك الشركات المملوكة للنظام السوري، والنخب التجارية السورية، والشركات المتعددة الجنسيات التي لديها شراكات مع هذه النخب، والشركات التي تملكها حكومتا روسيا وإيران أو المرتبطة بالدولتين.

كما أن الشركات التي تنوي الاستثمار في سوريا خلال عملية إعادة الإعمار، قد تجد نفسها مشتركة في انتهاكات لحقوق الإنسان، وجرائم دولية ارتُكبت من قبل النظام السوري وحلفائه، حسب التقرير.

هل حان الوقت؟

يرتبط ملف إعادة الإعمار في سوريا بشكل رئيس بالانتقال السياسي الذي لا وجود لمؤشرات قريبة عليه خلال المرحلة الحالية على الأقل، ما يجعل الحديث عن آلية أو أدوار الأشخاص والحكومات في مرحلة إعادة الإعمار بعيدًا عن الواقع، بحسب ما يعتقده عديد من الخبراء السوريين.

بينما لا يتفق الباحث يونس الكريم مع هذا الطرح، معتبرًا أنه ليس طرحًا كلاسيكيًا أبدًا، وإنما هو من أهم الموضوعات الاقتصادية التي يجب الحديث عنها الآن، والتخطيط لها لضمان الاستفادة من تجارب الدول السابقة في هذا المجال.

وبرر الكريم هذا الطرح في هذا التوقيت بمحاولات فرض السلام، مع بقاء الأطراف الموجودة حاليًا، وإبقاء الوضع كما هو عليه دون تدهور ولا تقدم نحو الأفضل، وهنا يُخشى أن يتحول ملف إعادة الإعمار إلى “جائزة ترضية” لهذه الأطراف المختلفة مقابل ضمانها عدم الدخول بالصراع من جديد.

ومما يشجع على الحديث بالملف، وضرورة رسم سياساته من الآن، اللبس الحاصل بين إعادة الإعمار والتعافي المبكر، معتبرًا أن التسويق للتعافي المبكر يشكّل اعترافًا ضمنيًا بالرضا عن الوضع السياسي الحالي، وبالتالي عدم السعي وراء تغييره.

ويعرّف مكتب الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) مصطلح التعافي المبكر على أنه “نهج يتناول احتياجات الإنعاش التي تبرز خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية من خلال استخدام الآليات الإنسانية التي تتوافق مع مبادئ التنمية، هذا النهج يمكّن الناس من الاستفادة من العمل الإنساني لاغتنام الفرص الإنمائية، وبناء القدرة على التكيّف، وإنشاء عملية مستدامة للتعافي من الأزمة”.

ثلاثة فروق بين التعافي المبكر وإعادة الإعمار

  1. يقع وضع خطط إعادة الإعمار وتنفيذها على عاتق الدولة، بينما يتم تخطيط وتنفيذ التعافي المبكر من قبل منظمات الإغاثة، سواء كانت مركزية تأتمر بأمر هيئة إدارية واحدة كالأمم المتحدة مثلًا، أو من قبل منظمات فردية.
  2. التعافي المبكر شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، أما إعادة الإعمار فليست كذلك، إذ يمكن أن تأتي إعادة الإعمار على شكل قروض ميسرة من منظمات منفردة أو متعددة الأطراف كصندوق النقد أو البنك الدولي، أما التعافي المبكر فما هو إلا نوع من أنواع المساعدة الإنسانية التي لا تستلزم السداد لاحقًا.
  3. تترتب أولويات التعافي المبكر تبعًا للاحتياجات الإنسانية، حاله في ذلك حال أشكال المساعدات الإنسانية الأخرى، أما إعادة الإعمار فليست كذلك بالضرورة.

برسم مَن؟

تقع مسؤولية التأسيس لمرحلة إعادة الإعمار بعد الانتقال السياسي على الحكومة الانتقالية، حيث لا تتطلب هذه المرحلة اتخاذ قرارات كبيرة باتجاه النظام الاقتصادي، وإنما تتطلب مساهمة بوضع الأسس للمرحلة الثانية.

ويجب على الحكومة التأسيس لمرحلة الإعمار وفق زمن محدد، بالاعتماد على تمويل من ثلاثة مصادر، هي بقايا الهبات والمساعدات، والقروض الميسرة، وأخيرًا عبر أمراء الحرب، مع ضرورة منع زيادة توغلهم عبر وجود محاكم اقتصادية متخصصة، وفق ما أشار إليه الباحث يونس الكريم.

وعند بدء مرحلة إعادة الإعمار يتم اتخاذ أهم القرارات حول شكل النظام الاقتصادي الحاكم الذي سيبني مؤسسات الدولة، ويحدد آليات التصرف بالتمويل.

الدراسة البحثية التي أعدها الكريم خلصت إلى عدة توصيات منها:

  • إجراء تقييم متكامل للإمكانيات المتوفرة من حيث البنى التحتية الموجودة، والقروض المتوفرة وطبيعتها لحين إطلاق إعادة الإعمار.
  • أن يتزامن السعي للحل السياسي مع الحل الاقتصادي وفق استراتيجية واضحة دعمًا لانطلاق عملية إعادة الإعمار.
  • لا بد للمجتمع المدني من المطالبة بإصدار تشريعات أممية فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، قد تتضمن محاكمة مجرمي الحرب ووضع قيود على أموالهم لمصلحة عملية إعادة الإعمار لا لمصلحة السلطة الجديدة.
  • ضرورة العمل وفق العدالة الانتقالية فيما يخص مشاريع إعادة الإعمار.
  • أخيرًا، يجب أن تتولى عملية إعادة الإعمار هيئة وطنية مستقلة تديرها كوادر مؤهلة وتعمل وفق معايير الأمم المتحدة.

ووفق تقرير مشترك أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ومركز الدراسات السورية بجامعة “سانت آندروز”، في أيلول 2020، تكبدت سوريا خسائر اقتصادية تقدّر بنحو 442 مليار دولار خلال ثماني سنوات، بسبب حرب “أتت على الأخضر واليابس، وكلّفت البلاد مكاسبها الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت بشق الأنفس”.

المقالة منشورة على موقع عنب بلدي

اترك تعليق

مقالات ذات صلة