الرئيسية » تحت ذريعة الترميم.. هكذا تسرق روسيا آثار سوريا على مرأى ومسمع نظام الأسد

تحت ذريعة الترميم.. هكذا تسرق روسيا آثار سوريا على مرأى ومسمع نظام الأسد

بواسطة يونس الكريم

تواصل روسيا تكثيف جهودها في ترميم العديد من المواقع الأثرية بسوريا، الأمر الذي يفتح الباب أمام المزيد من عمليات السرقة.

فعلى الرغم من محاولة روسيا إظهار ترميم المواقع الأثرية عبر خبراء وهيئات تتبع لها، ضمن هدف تحسين صورتها أمام العالم للتغطية على وجودها العسكري، فإن التقارير والشهادات تؤكد تورطها في سرقة وتهريب الآثار السورية.

حجج الترميم

وفي خطوة ليست بالجديدة، أعلنت مديرة مشروع الترميم ورئيسة مركز علم الآثار والحضارة المادية لدى أكاديمية العلوم الروسية ناتاليا صولوفيوفا، تولي فريق مرممين روسي المسؤولية الرئيسة عن ترميم قوس النصر في مدينة تدمر شرقي حمص.

وقالت صولوفيوفا حسبما نقلت وكالة تاس الروسية في 6 يونيو/حزيران 2023: “فيما يتعلق بتمويل المشروع ستكون الأموال الأساسية روسية، لكن الجانب السوري له حصة في التمويل، فضلا عن مشاركة سكان تدمر في أعمال الترميم”.

وجرى إقرار المشروع الروسي لترميم قوس النصر في تدمر في مايو/أيار 2023 من قبل الجانب السوري وذلك بعد الموافقة عليه في اجتماع مجلس العلم في معهد الحضارة المادية التابع لأكاديمية العلوم ومتحف الأرميتاج ومعهد موسكو للفن المعماري، على أن تبدأ عمليات الترميم في أغسطس/آب أو سبتمبر/أيلول 2023.

وقوس النصر في تدمر جرى تفجيره في مايو 2015 على أيدي عناصر تنظيم “الدولة”، وانهار حينها ودُمر الجزء المركزي بالكامل.

ومن الامتدادات الجانبية نجت الأبراج الخارجية فقط وتضررت نظيرتها الداخلية، والكتل الحجرية المنحوتة التي كانت تشكل الأقبية، وقد فُقد بعض عناصر قوس النصر فقدانا لا رجعة فيه.

ويعود تاريخ مدينة تدمر المعروفة بـ”لؤلؤة الصحراء” أو “عروس البادية”، إلى أكثر من ألفي عام وهي مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي الإنساني.

وعرفت المدينة أوج ازدهارها في القرن الثالث في ظل حكم الملكة زنوبيا التي تحدّت الإمبراطورية الرومانية.

وتدمر واحدة من أغنى مدن الإمبراطورية الرومانية، وتعد من أقدم المدن التاريخية في العالم وتحيط بها الأعمدة وقوس النصر والمسرح والمدرج والساحة العامة والقصور.

وكذلك تشتهر بالمعابد، وأهمها معبد “بل” و”بعل شمين”، والأعمدة في وادي المقابر، إضافة إلى المدافن الملكية وقلعة ابن معن وتماثيل وآثار كثيرة تنطق بعظمة مدينة تدمر التي نافست روما أيام مجدها وأصبحت عاصمة لأهم ممالك الشرق.

 وقد نشرت وزارة الدفاع الروسية فرقا مختصة بمكافحة الألغام منذ عام 2016 لتنظيف المنطقة من الألغام التي زرعها تنظيم الدولة إبان سيطرته على المدينة لمرتين.

وروسيا تمسك حاليا بمدينة تدمر عبر القاعدة العسكرية الضخمة في المقبرة الشرقية والتي أنشأتها عام 2016 ونشرت فيها آليات ثقيلة وأنظمة مضادة للطيران وناقلات جنود وهيأت نقطة هبوط للمروحيات القتالية، وذلك تحت غطاء إقامة معسكر مؤقت لإزالة الألغام والتي تعد حاليا بمثابة خط دفاع أول عن المدينة.

وتمكن تنظيم “الدولة” من السيطرة على تدمر لمدة سنة تقريبا في مايو 2015، قبل أن يعلن النظام السوري في 27 مارس/آذار 2016 السيطرة عليها بدعم من القوات الجوية الروسية.

واستعاد التنظيم السيطرة على المدينة مرة أخرى في ديسمبر/كانون الأول 2016 قبل أن ينتزعها منه النظام مجددا مطلع مارس 2017 بدعم من روسيا.

وتنظر موسكو إلى مدينة تدمر على أنها موطئ قدم حساسة لأنها تمثل نقطة التوازن لوجودها العسكري على الأراضي السورية.

وقد أعادت موسكو زج مجموعات جديدة من مليشيا “فاغنر” الروسية منذ 14 ديسمبر 2021 في مدينة تدمر التاريخية بريف حمص الشرقي.

وتعد المدينة الإستراتيجية المهمة جغرافيا واقتصاديا عقدة رئيسة من عقد الصراع الروسي الإيراني على النفوذ في سوريا، وخاصة مع سعي طهران لتوطين أسر مليشياتها في تدمر وابتلاع الثروات التي تختزنها صحراء المنطقة.

إيرادات الحرب

وضمن هذه الجزئية، يؤكد لـ”الاستقلال” الباحث السوري، ومدير موقع “اقتصادي”، يونس الكريم، أن “الضباط الكبار سواء الروس أو من نظام بشار الأسد يعدون التنقيب عن الآثار السورية إيرادا ماليا ضخما لهم، وبالتالي هذا يدلل على عدم الاهتمام بالترميم بل السرقة وهذا ما يركز عليه أمراء الحرب”.

وأضاف الكريم، ومن “هنا يمكن القول إن مدينة تدمر الأثرية والسياحية لها أبعاد اقتصادية تجعل روسيا تهتم فيها كونها تتموضع جغرافيا وسط سوريا، وبالتالي التحكم بالطرق البرية الرئيسة يعطي لموسكو ميزة للنقل التجاري بين الشمال والجنوب مرورا بالعاصمة وحلب”.

هذا فضلا عن “أهمية خطوط إمداد الطاقة إذ إن معظم حقول النفط والغاز بمحيط تدمر تحت سيطرة ومراقبة روسيا”.

ولذلك فإن “الوجود الروسي مهم لها كي تشكل عائقا أمام مد أنابيب الغاز من العراق إلى سوريا ولبنان، ويقصد به خط أنابيب الصداقة الموقع عام 2013 بين بغداد ودمشق وطهران”، وفق الكريم.

ومضى يقول: “فضلا عن سيطرة روسيا على الفوسفات في شرقي حمص، وكذلك منتج السليكة ومناجم الملح التي تدخل بموضوع الصناعة السورية وتعطي قوة لموسكو للحصول على ولاء التجار”.

وهو ما يعني أن سيطرة روسيا على قلب سوريا تعطيها قوة في المشهد السياسي على حساب باقي الفرقاء المختلفين.

وعلى مدى عقد من الزمن المنصرم نشطت عمليات تهريب القطع الأثرية التي يمكن نقلها، كالعملات المعدنية والتماثيل وقطع فسيفساء إلى أنحاء العالم مع انتعاش سوق سوداء للآثار.

في سوريا، تركت حضارات عدة، من الكنعانيين الى الأمويين، مرورا باليونانيين والرومان والبيزنطيين، تراثا شاهدا عليها. وكانت البلاد تفخر بمواقعها الأثرية في تدمر وحلب وإدلب ودرعا ودمشق والرقة وغيرها.

وذكر تقرير نشرته مؤسسة جيردا هنكل والجمعية السورية لحماية الآثار ومقرها باريس، عام 2020، أن أكثر من 40 ألف قطعة أثرية نُهبت من المتاحف والمواقع الأثرية منذ بداية الحرب.

وقد ركزت روسيا، التي تدخلت عسكريا بسوريا عام 2015 لإنقاذ نظام الأسد من السقوط عقب ثورة شعبية تفجرت عام 2011، اهتمامها على الآثار السورية.

إذ روجت موسكو إلى أنها تسعى لحماية التراث الثقافي السوري والكنز الحضاري الذي يحتضنه هذا البلد منذ آلاف السنين.

سرقة الآثار

فمنذ عام 2017، نشرت وكالة ريا نوفوستي، المملوكة للدولة الروسية، 31 مقالا خاصا عن التراث السوري وحده كجزء من جهد أوسع لإضفاء الشرعية على مشاركة موسكو وقواتها في سوريا للجمهور الروسي.

وتؤكد مواقع سورية معارضة أن شركات روسية دخلت إلى سوريا منذ أغسطس 2021 هدفها التنقيب عن الآثار في مدينة تدمر، في تطور لافت كشف بعضا من نوايا الروس.

إذ أعلن رئيس مركز إدارة الدفاع الوطني بوزارة الدفاع الروسية ميخائيل ميزينتسيف أن معهد تاريخ الثقافة المادية التابع لأكاديمية العلوم الروسية والمديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا بدأ العمل على الحفاظ على مواقع التراث الثقافي في البلاد.

جاء تصريح ميزينتسيف على هامش اجتماع ترأسه مع ممثلين عن الحكومة السورية في مؤتمر حول عودة اللاجئين والنازحين السوريين، عقد في 26 يوليو/تموز 2021.

وعقب ذلك وتحديدا في 20 أغسطس 2020 أنهى علماء من معهد تاريخ الثقافة المادية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم نموذجا مفصلا ثلاثي الأبعاد لمدينة تدمر الأثرية جرى العمل عليه منذ عام 2016.

كما كشفت لاحقا ناتاليا سولوفيوفا نائب مدير معهد تاريخ الثقافة المادية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، خلال تصريحات صحفية في 21 ديسمبر 2021، أنه يجرى جلب تقنيات خاصة وروافع إلى تدمر مع عزم تنفيذ عمليات مسح ضوئي وقياس تصويري قبل البدء في تنفيذ عملية إعادة الإعمار.

وفي خضم هذا الاهتمام بدأت تتكشف عمليات سرقة روسية للآثار السورية، تحت حجة الترميم.

وبحسب تقرير لموقع “تلفزيون سوريا” المعارض، فإن موسكو متورطة في سرقة الآثار السورية وتهريبها بما في ذلك تلك الموجودة في تدمر.

وكشفت مصادر خاصة للموقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن إدارة القوات الروسية لعمليات تنقيب عن الآثار في المنطقة الوسطى من سوريا، وبشكل خاص في مدينة تدمر، بهدف نقلها إلى الأراضي الروسية تحت إشراف خبراء روس.

وقد بلغ عدد الخبراء الروس الذين وصلوا إلى الأرضي السورية عبر مطار دمشق الدولي 12 مختصا بشؤون الآثار يهدفون إلى إبرام عقود مع نظرائهم من سوريا للعمل ضمن فريقهم للتنقيب عنها وإخراجها.

خبراء مختصون

وبحسب الموقع المذكور، عمدت القوات الروسية لتحويل الخبراء السوريين إلى مراقبي عمال في مواقع الآثار ضمن عقود أبرمت بين الطرفين ليجرى إخراج القطع الأثرية وترحيلها عبر الطيران.

وأنشأت القوات الروسية مستودعات لتخزين الآثار فيها بمطار تدمر العسكري وذلك في 5 نوفمبر 2020، بهدف استقبال الآثار التي يستخرجونها من المنطقة الوسطى في سوريا، بحسب الموقع ذاته.

وحجم المستودع الواحد يبلغ 30 مترا طولا و20 مترا عرضا، ويبلغ عدد المستودعات اثنين وجرى إنشاؤها باستخدام بناء مسبق الصنع.

ونقل “تلفزيون سوريا” عن عنصر متطوع في مطار تدمر العسكري بصفة مراقب على أعمال إنشاء المستودعات قوله: “إن الهدف منها إدخال الشاحنات التي تنقل الآثار فيها ومهمتها الانتظار حتى وصول طائرات الشحن ليتم إفراغ الشاحنات على متن الطائرة”.

وبحسب شبكة تدمر الإخبارية المحلية، فإن “هناك مافيات روسية بالتعاون مع مليشيات إيرانية في تدمر تحمي خطوط تهريب الآثار وغيرها عبر شخصيات عسكرية روسية وإيرانية نافذة في المنطقة وصاحبة قرار”.

ومن الشواهد على تنفيذ روسيا عمليات تنقيب في سوريا بهدف سرقة الآثار والكنوز السورية، إعلان ديمتري تاتاركوف، مدير مركز البحوث البحرية والتكنولوجيا في جامعة سيفاستوبول الحكومية الروسية أن بعثة روسية سورية اكتشفت ميناء قديما يعتقد أنه يعود إلى العصر الروماني قبالة ساحل طرطوس السوري.

وهذا الساحل توجد فيه قاعدة بحرية روسية منذ عام 2017 هي الوحيدة لها على البحر المتوسط بعقد مدته 49 عاما.

واللافت أن الإعلان عن الاكتشاف صدر عن مسؤول روسي في 28 يناير/كانون الثاني 2021، وليس من نظام الأسد.

كما أن اكتشافه ليس جديدا بل سبق أن كشف قبل عقود على يد فريق فرنسي، الأمر الذي فسر على أن عمليات البحث هي للوصول إلى مزيد من الآثار حول الموقع والاستيلاء عليها ووضعها بيد الروس.

حتى إنه حينما أكد الإعلام الروسي في نوفمبر 2021 أن العشرات من الجنود الروس دفعوا رشاوى في محاولة لضمان مقعد لهم في جولات الخدمة العسكرية بسوريا، جرى الحديث عن أن هذا التهافت من أجل تحقيق مكاسب شخصية كسرقة الآثار والمساهمة في تهريبها.

وبالمحصلة، فإن تورط الروس في سرقة الآثار نابع من تشكيل تجارة خاصة بها في سوريا وباتت تعد أحد الروافد المالية لقوات نظام الأسد وتحديدا من قبل الضباط الكبار.

ولا يخفى في سوريا حاليا أن ازدهار تجارة الآثار غير المشروعة تصل أحيانا حد الترويج لعمليات البيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل اللصوص.

المقالة منشورة على موقع صحيفة الاستقلال

اترك تعليق

مقالات ذات صلة