141
منصور حسين
يضع إعلان حكومة النظام السوري تنظيم آلية بيع خزانات المياه في الأحياء السكنية، وبدء ترخيص عمل المناهل الخاصة، قطاع المياه في سوريا على طريق الاستثمار الخاص، الذي يخدم سياسات خفض الإنفاق العام لسد عجز موازنة الدولة.
وخلال الأشهر الماضية، تزايد اعتماد سكان المدن الخاضعة لسيطرة النظام السوري على الخزانات لتغطية حاجتهم من المياه الصالحة للشرب والاستخدام المنزلي، نتيجة الانقطاع شبه الدائم للمادة، واعتراف حكومة النظام بتعثر تخديم الكثير من المناطق.
آلية لخصخصة المياه
وأكد المدير العام لمؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في دمشق وريفها محمد طباع موافقة رئاسة مجلس الوزراء التابعة للنظام السوري، على وضع آلية لتزويد السكان بالمياه، وتكليف العديد من الوزارات في تنفيذ المشروع.
وأوضح أن المكتب التنفيذي لكل محافظة مسؤول عن تحديد التعرفة السعرية الخاصة للصهاريج، بينما تعنى مؤسسة المياه بفحص المناهل ومصادر تزويد الصهاريج بالمياه، في حين تشرف مديريات الصحة على سلامة المياه بعد أخذ العينات وفحصها.
وأشار إلى أن المؤسسة أصدرت تعميماً تضمن إمكانية كل من يمتلك منهلاً أو خزاناً ويريد بيع المياه للمواطنين أو تزويدها، التقدم بطلب لإعطائه الترخيص بعد دراسة طلبه وتطابقه مع الشروط التي حددتها المؤسسة.
لكن تصريحات الطباع تؤكد تجاوز الآلية تشريع عمل خزانات المياه، التي تُعتبر أحد أشكال الخصخصة الجزئية الغير معلنة، من خلال السماح بالتزود والبيع من المناهل الخاصة، التي يُنظر إليها كخطوة أولية لفتح هذا القطاع الحيوي أمام الاستثمار، تمهيداً لجعل مؤسساته تحت تصرف المستثمرين الجدد.
ويعتقد الخبير الاقتصادي يونس الكريم أن حكومة النظام الاسد يعمل على توسيع جباية الضرائب بفرضها على الصهاريج والمناهل التي تمثل سوقاً واعداً، إضافة إلى أنها بمثابة إشعار بإيقاف مشاريع صيانة وتأهيل شبكات المياه إلى حين تحصيله الدعم والإمدادات الخارجية، وذلك على غرار ما حصل عام 2006 مع مشروع تأهيل البنية التحتية في منطقة الكسوة في ريف دمشق والذي جرى بتمويل أوروبي.
خصخصة تشاركية
ويقول الكريم إن “منح تراخيص البيع يُعدّ دليلاً على غياب المياه الصالحة للشرب وصيانة شبكات المياه، وبالتالي فإن الهدف يتمثل بجباية ضرائب جديدة”، لكن يشير إلى أن مشكلة النقل الجديدة للمياه عبر الصهاريج تكمن بعدم التأكد من صلاحيتها لنقل مياه وتنظيفها بشكل دائم، مع ندرة الصهاريج الجديدة، كما أن شرعنة هذه الوسيلة يُعتبر خطوة ضمن عملية خصخصة مياه الشرب التي ستنعكس بطبيعة الحال على المدنيين ذوي الدخل المحدود.
ويضيف أن “خطورة المشروع تتمثل باعتباره عودة إلى تقديم عملية صيانة وتجديد شبكات المياه إلى القطاع الخاص، لعدم توفر القدرة الرسمية مالياً وفنياً على الصيانة، خصوصاً بغياب منح التمويل الدولي طويل الأجل”، معتبراً أنه يمكن أن يمهد لدخول جهات مثل الصين كأحد هذه القطاعات التشاركية التي تمنح التمويل، مع إمكانية استبعاد الحلفاء التقليدين مثل روسيا وإيران، من قبل، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، أسماء.
ويشير إلى أن هذا المشروع الذي يُعتبر تمهيداً لانسحاب مؤسسات الدولة وتخليها عن مسؤولياتها، يعمّق من المشاكل المركبة، من خلال زيادة الطلب على المحروقات وارتفاع أسعارها، مع تدهور الوضع الصحي للسكان مع غياب المياه النقية، وصولاً إلى تأثر القطاع الزراعي الذي يعتمد على شبكات الري الحكومية.
استنزاف جيوب السكان
الاعتماد على الصهاريج لتغطية الحاجة الاستهلاكية ليس أمراً جديداً على قاطني مناطق سيطرة النظام، الذين يعانون منذ سنوات أزمة مياه متفاقمة لأسباب مناخية سبّبت شحّ الموارد، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي، إلا أن الإعلان عن توجه رسمي لتشريع عملها، زاد مخاوف الأهالي من اعتماد الصهاريج كحلً دائم لما يحمله من أعباء مادية تثقل جيوبهم.
وبحسب من تواصلت معهم “المدن” من سكان مناطق النظام، فإن الأسرة تحتاج إلى 35 برميل مياه تقريباً كل شهر. ويبلغ سعر خزان مياه الشرب والاستخدام المنزلي سعة 25 برميل حوالي 120 ألف ليرة في الجنوب السوري، بينما يبلغ في حلب ودمشق وريفها نحو 80 ألف ليرة سورية، بارتفاع بلغ الضعف عما كان عليه قبل شهرين.
المقالة منشورة على موقع المدن