لم تمضِ سنتان إلا وكانت الإمارات خارج “القائمة الرمادية” لمجموعة العمل المالية “فاتف” المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما يعزز مكانة اقتصاد الدولة التي تعد من الأغنى حول العالم.
وجاء إعلان إزالة اسم الإمارات من القائمة، في 23 فبراير، تأكيداً لالتزام أبوظبي بمواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، وتنفيذها لجميع التوصيات الـ15 الواردة في خطة عمل “فاتف”.
فمنذ إدراجها بالقائمة، في مارس من عام 2022، قام المكتب التنفيذي الذي أنشئ لمكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الإمارات، بجهود مكثفة لتفكيك مخططات غسل الأموال.
ماهي القائمة الرمادية ؟
مجموعة العمل المالي تعرف اختصاراً بـ”FATF” (فاتف)، هي منظمة حكومية دولية مقرها في العاصمة الفرنسية باريس، أسست سنة 1989.وتعمل المنظمة على سن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، كما تقيم مدى التزام الدول بتلك المعايير، حيث تستهدف حماية النزاهة المالية على الصعيد الدولي.أما القائمة الرمادية فهي بالمختصر تشمل مجموعة الدول التي تحتاج إلى تعزيز المنظومة الوطنية لديها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تخضع لمراقبة مشددة من “فاتف”، تؤثر على تقدمها الاقتصادي.ويقع على عاتق الدول التي تخضع لهذه المراقبة معالجة أوجه الضعف الاستراتيجية في أنظمتها الخاصة بمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، وتمويل انتشار التسلّح.
كيف تأثر الاقتصاد الإماراتي؟
على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته الإمارات اقتصادياً، وتحديداً خلال السنتين الماضيتين، فإن ذلك لم يمنع من تضررها نتيجة وجودها في القائمة الرمادية.وقال المحلل الاقتصادي يونس الكريم، إن وضع الإمارات على القائمة في 2022 أعاق كثيراً من الخطط الاستثمارية في الدولة.وأضاف الكريم لموقع ، أن التصنيف الذي بات قديماً الآن بعد إزالتها من القائمة، أثر مصرفياً على الإمارات.
وأوضح أن حركة الصندوق السيادي باتت أضعف من ذي قبل، كما تباطأت المعاملات المالية، ما انعكس سلباً على حركة رؤوس الأموال.
وأكد أن وجود الإمارات في القائمة انعكس سلباً على البنوك الغربية، التي كانت تخشى التعامل مع أبوظبي، “على اعتبار أن الأوراق المطلوبة باتت كثيرة خلال عمليات التدقيق للتأكد من عدم وجود شبهة لغسل الأموال، أو لضمان عدم تعامل الدولة الخليجية مع روسيا أو دول أخرى تخضع لعقوبات أوروبية أو أمريكية”.
ثمرة الجهود الحكومية
عقب عقد “فاتف” جلسة عامة، بين 19 و23 فبراير في باريس، أعلنت المجموعة استكمال الإمارات تنفيذ جميع التوصيات الـ 15 الواردة في خطة عملها، مؤكدة إزالتها من القائمة الرمادية.ووصف وزير الخارجية رئيس اللجنة العليا المشرفة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، هذا الإعلان بأنه إنجاز كبير.وبيّن أن “هذا الإنجاز هو ثمرة الجهود التي بذلتها الوزارات والهيئات الحكومية الاتحادية والمحلية المعنية لتسريع وتيرة خطة العمل الوطنية، وتجسيد التوجيهات العليا وتطلعات القيادة في تعزيز ريادة وتنافسية دولة الإمارات وترسيخ مكانتها كمركز اقتصادي وتجاري واستثماري عالمي”.وأشار إلى أن “اقتصاد الإمارات ضمن الأكثر نمواً في العالم، والدولة حريصة على ترسيخ نهجها الثابت بتعزيز موقعها على خريطة النظام المالي العالمي عبر تطبيق المعايير والالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة التي تعمل على تحقيق سلامة النظام المالي الدولي”.
وتقديراً لجهودها، كرّم رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، اللجنة العليا برئاسة وزير الخارجية، حيث منحه “وسام الاتحاد”، كما منح أعضاء اللجنة “وسام زايد الثاني” من الطبقة الأولى.
كيف نجحت الإمارات؟
لعل السؤال الأبرز هو عن كيفية تمكن الحكومة الإماراتية من إزالة اسمها في القائمة، خلال أقل من عامين، من خلال تطوير النهج الرقابي القائم على المخاطر، وإصدار القوانين والأنظمة والإرشادات الإشرافية والرقابية.
ووفق تصريح لوزير العدل عبد الله سلطان النعيمي، فإن “التعديلات التشريعية التي تم العمل عليها أسهمت إسهاماً كبيراً في تعزيز المنظومة الوطنية لمواجهة جريمة غسل الأموال والحد من التمويل غير المشروع وخلق بيئة اقتصادية حاضنة للشركات تضمن نموها وازدهار أعمالها”.
وفي هذا الإطار كشف النعيمي عن توقيع أكثر من 45 اتفاقية خاصة بتسليم المجرمين والمساعدة الجنائية مع الشركاء الدوليين، خلال الفترة الماضية.
كما استطاعت الإمارات مصادرة أكثر من 5.4 مليارات درهم (1.4 مليار دولار)، من ديسمبر 2021 إلى يونيو 2023، وذلك بشكلٍ أساسي من القضايا المتعلقة بجرائم غسل الأموال، وفق تصريح وزير دولة أحمد بن علي الصايغ، في 28 فبراير.
وإلى جانب ما سبق، يرى المحلل الاقتصادي يونس الكريم أن سرعة إزالة اسم الإمارات من القائمة يدل على اتباعها استراتيجيتين.
وتابع بأن الأولى تتمثل بتنفيذ توصيات “فاتف”، أما الاستراتيجية الثانية والتي وصفها بـ”الناعمة” فتتمثل بدفع شركائها الدوليين الذين يمتلكون أصولاً كثيرة لديها للضغط على مجموعة العمل المالي، لتسريع إجراءات الإزالة.
إبعاد شبح تمويل الإرهاب
وأكد الكريم أن الإمارات “ستستعيد بريقها عقب هذا الإعلان، من خلال سهولة حركة الصناديق السيادية لديها”.
وأضاف أنها “أبعدت شبح تمويل الإرهاب عنها”، ما من شأنه تسهيل حركة الأموال من وإلى الدولة.
ولفت إلى أن هذا القرار سينعكس أيضاً على الاستثمارات الإماراتية في الخارج، حيث ستستطيع الدخول إلى السوق الغربية بسهولة، ما سيعطي اعتمادات أكبر للبنوك، ومن ثم تسهيل الحركة التجارية بين أبوظبي والغرب.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن إزالة الاسم من القائمة سينعكس على الملفات السياسية؛ من خلال تعزيز دور الإمارات كـ “قوة ناعمة” في الأزمات التي تشهدها المنطقة.
هل انتهت المراقبة؟
رغم إزالتها من القائمة فإن سؤالاً يطرح في أوساط المتابعين للشأن الإماراتي؛ وهو: هل انتهت المراقبة المفروضة على أنشطة الإمارات؟
وفي تعليقه على هذه النقطة يرى المحلل يونس الكريم أن إزالة الاسم من القائمة الرمادية لا يعني انتهاء المراقبة المفروضة على الإمارات اقتصادياً فقط، بل وحتى في طريقة تعاملها مع الملفات السياسية، ما يشير إلى أن “الاقتصاد لن ينفك عن السياسة”.
ويشير بذلك إلى أن العالم يتابع الدور الإماراتي “في قضايا المنطقة من سوريا إلى لبنان إلى الأردن والعراق وتركيا، إضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية”.
وأضاف: “باتت الدول الغنية تحت رحمة تصنيف مجموعة العمل المالية حول إمكانية التعامل معها أم لا، والآن بات هناك سلاحان للاقتصاد العالمي الجديد”.
وأردف: “السلاح الأول وكالة التصنيف الائتماني للدول الفقيرة لأجل الحصول على القروض، ومجموعة العمل المالية لتقييم إمكانية التعامل مع هذه الطبقة الغنية أم لا، وهو شيء بالغ الخطورة بدأ تسليط الضوء عليه منذ دخول الإمارات للقائمة الرمادية”.