هل يكون ريف حماة بوصلة الآلة العسكرية المقبلة للنظام
فاضت مواقع التواصل الاجتماعي بالتحليلات بشأن اتجاه بوصلة الآلة العسكرية للنظام السوري بعد معارك درعا. ويبدو أنّ الوجهة العسكرية التي تخطط لها روسيا وتقودها تسير وفق إيقاعٍ اقتصاديٍ- سياسيٍ، وليس مجرد ردة فعل كما كان في السابق بقيادة إيران.
وكما نعلم لا يوجد تنبؤ غيبي في علم الاقتصاد وإنما تنبؤ تفاضلي للمسار من خلال الوقائع الاقتصادية التي تعتمد على قيمة الهدف المرجو الوصول إليه والوسائل المتاحة للوصول إليه، ونحن سنعتمد على التنبؤ الاقتصادي لتحديد المسار المقبل للآلة العسكرية، مع الإقرار بأنّ النظام يحاول الخروج من العباءة الروسية، ويحاول السيطرة على أي منطقة تحت ضغط حاضنته الشعبية ليس أكثر، ومن المرجّح أن تكون منطقة ريف حماة مسرحًا للعمليات المقبلة. ولتعليل هذا التوقع نورد مايلي:
أولًا : جغرافيًا
يُقسم ريف حماه الى أربعة مناطق إضافة إلى المدينة حماة كمنطقة خامسة، وتسيطر المعارضة على منطقتين هما الريف الشمالي والريف الشمالي الغربي.
يشمل الريف الشمالي مناطق مورك، اللطامنة، كفرزيتا، كفرنبودة، ويشمل الريف الشمالي الغربي جبل شحشبوة والمكون من 16 قرية، إضافة إلى سهل الغاب المقسم إلى ثلاث مناطق الشمالي والأوسط والجنوبي وآخر نقطة في سهل الغاب الجنوبي هي قلعة المضيق المعبر الأشهر لتوقف حافلات المهجرين من مناطقهم إلى مناطق سيطرة المعارضة.
ويحتل ريف حماة الشمالي موقعًا استراتيجيًا مهمًا بالنسبة للمعارضة والنظام على حدٍّ سواء، بسبب متاخمته من جهة الشرق للمناطق الموالية للنظام، واتصاله الجغرافي مع ريف إدلب الجنوبي من جهة، ومنطقة الغاب التي تعتبر مدخلًا إلى ريف اللاذقية من جهة أخرى، حيث تعبر أهم الطرق الرئيسية في ريف حماة الشمالي، كطريق حماة- حلب، أحد طرق الإمداد العسكري لحماة، وطريق السقيلبية- قلعة المضيق، الذي منحه أهمية كبيرة. إضافة إلى هذه الطرق الحيوية يتوسط مطار حماة العسكري الخارطة الجغرافية في سوريا، مما يجعله نقطة دعم لوجستية في المعارك المقبلة للنظام ضد المعارضة على امتداد الشمال السوري الخارج عن سيطرته سواء في منطقة الجزيرة السورية (الإدارة الذاتية) أو مناطق درع الفرات أو إدلب أو حتى الساحل السوري (جبل التركمان وجبل الأكراد).
الريف الشرقي باتجاه منطقة السلمية ذو طبيعة صحراوية وتشرف عليها مدينة صوران المتنازع عليها والتي تطل على أوتوستراد السلمية- حلب (طريق إثرية- خناصر) وهو أيضًا خط إمداد للنظام من حلب و باتجاه الرقة.
كل ذلك يشكل خطرًا جسيمًا على خطوط النظام بإمدادته اللوجستية ولابد له من تأمينها وحمايتها وإبعاد أي خطر عنها.
ثانيًا: اقتصاديًا
تتميز المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في ريف حماة بأنها السلة الغذائية المهمة لكافة أنواع الخضروات والفواكه، إضافةً الى القمح والبرسيم بالنسبة لمحافظة حماة والمحافظات المحيطة القريبة منها بما فيها الساحل السوري، حيث تتراوح نسبة مساهمتها من الإنتاج الزراعي من الإنتاج السوري حسب الغلة بين (8% و 19% حسب إحصائيات 2007 المتوفرة).
إلا أنّ الحرب أثرت سلبًا على بعض الزراعات بسبب غلاء المستلزمات الزراعية وصعوبة تأمينها وحتى تصريف المنتجات، عدا عن الأتاوات المفروضة على المنتجات التي تذهب إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام مثل الشوندر السكري، المادة الزراعية الأولى من حيث الإنتاج على مستوى سوريا، والقطن (تقدر نسبة إنتاجهما من الإنتاج السوري 9.87% و 1.56% على الترتيب)، لذا اقتصرت الزراعة في المنطقة على القمح والمزروعات الموسمية.
أما على صعيد المهن فتتميز منطقة ريف حماة بكثرة الورشات الصناعية والمعامل التي تستهلك منتجات الريف الشرقي الصحراوي من حليبٍ وتحوله الى أجبانٍ وألبانٍ يتم توزيعها على حماة أو باتجاه مناطق الساحل السوري وبقية المحافظات، دون أن ننسى أن كل مدينة ومنطقة من هذا الريف لها نظامها الاقتصادي الذي يمكنها من الاستمرار بالعيش رغم تحديات الحرب وغياب التخطيط من قبل المعارضة السياسية وحتى العسكرية وتحولها من هدف إسقاط النظام الى مجرّد البقاء على قيد الحياة.
فمثلًا قلعة المضيق خضعت لهدنة مع النظام من تاريخ 28 آذار 2012 بسبب قربها من السقيلبية أحد المراكز الداعمة للنظام، ورغم نزوح العديد من سكانها مؤقتًا عام 2015 بسبب استهداف السقيلبية من قبل جيش الفتح، عادت الهدنة إلى السريان وعاد السكان إلى بيوتهم وأعمالهم وأصبح فيها سوق نشط كونها غدت معبرًا تجاريًا بين مناطق النظام والمعارضة، حيث يستورد السكان السلع المصنعة ويوردون المواد الزراعية وخاصة القمح والخضروات، لدرجة أن خبز قلعة المضيق ينتج معظمه في السقيلبية.
أما بالنسبة لجبل شحشبو وقراه الـ 16 فتقطنه عشائر، ويعتمد على الزراعة البعلية وتربية الأغنام وهي منطقة فقيرة وأحد مراكز دعم الجيش الحر وأحرار الشام. أما بلدة مورك التي تشتهر بزراعة الفستق الحلبي، الذي يغطي كامل مساحتها المقدرة بـ نحو 68 ألف دونم، فهي بلدة غنية زراعيًا. كما تشتهر كفر زيتا بالإضافة إلى زراعة الفستق الحلبي بزراعة البطاطا شأنها شأن اللطامنة التي تعتمد على زرعة البطاطا والقمح، وتتنافس مورك وكفرزيتا وطيبة الإمام مع درعا والسويداء.
وبسبب الحرب التي لا تقتصر فقط على النظام والمعارضة وإنما تمتد إلى المعارك الداخلية بين فصائل المعارضة بمختلف توجهاتها للسيطرة على الموارد الاقتصادية لهذه المناطق، فإن الأوضاع الاقتصادية أخذت بالتردي، سيما وأنّ الزراعة تحتاج إلى استقرار، فكان البديل هو السماح لوكالات الإغاثة ومنظمات المجتمع المدني (مثل منظمة القلب الكبير وتجمع منظمات إيلاف حماة) بالعمل في مناطق سيطرة المعارضة. أدت هذه العوامل في كثيرٍ من الأحيان إلى حالةٍ من العجز بسبب سياسات المانحين المعتمدة على التوجهات الدولية وحجم النازحين والبطالة التي تفاقمت بسبب توقف الزراعة وإغلاق المعامل الصغيرة للمنتجات الغذائية، حتى التعليم أصبح غير متوفر في هذه المناطق، فجبل شحشبو على سبيل المثال توجد به مدرسة واحدة تديرها منظمة “سيريا ريليف”.
الشيء الغريب أنه رغم كل ما يشاع عن مشاريع دعم ريف حماة خلال الثورة إلاّ أنه تحول من ريفٍ غنيٍ واعدٍ بالصناعة إلى ريفٍ فقيرٍ أقصى ما يطمح إليه نتيجة لتوفر الكهرباء هو إقامة معمل سيف جلي أو صالات إنترنت. يعتمد هذا الريف في مواده على إدلب وتركيا وأحيانًا على المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية بناءً على توافر الأسعار الأرخص والمزاج العسكري في المنطقة. رغم أن مركز البوسفور للدراسات التابع لرئاسة وزراء تركيا قد أجرى العديد من الأبحاث والدراسات عن المنطقة وسط إهمالٍ متعمدٍ وكليٍ من قبل المعارضة للجانب الاقتصادي باستثناء الجانب الإغاثي.
أما إيرادات المعابر فتعود إلى الجهة العسكرية المسيطرة على المعبر، لذا نشبت حروب دائمة بين تلك الفصائل للسيطرة على المعبر، فالفصيل يحصل على الأتاوة عند إخراج البضاعة إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية وخاصةً مادة المحروقات التي تدخل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة أو المواد الغذائية من تركيا أو مناطق السيطرة الحكومية أو حتى التي تخرج إلى تلك المناطق كالسمنة والزيت الواردة من تركيا.
وبالتالي فإن النظام السوري لن يسمح بخضوع هذه السلة لاقتصادية المهمة لسيطرة المعارضة، خاصةً وأنها ستؤثر على الساحل السوري والمناطق الخاضعة لنفوذه التي ينتظر سكانها تحسن مستوى الحياة الاقتصادي وانخفاض الأسعار وتوفر السلع مما يستوجب عودة سيطرته عليها، عدا عن أنّ اقتصاده متهالك ويحتاج الى قطعٍ أجنبي وحتى سوري، وهو ما كانت تسهم به هذه المناطق سواءٌ من خلال إنتاج الشمندر السكري أو القطن أو باقي المنتجات الزراعية والحيوانية التي تعتمد عليها صناعات أخرى تدهورت نتيجة فقدان السيطرة على هذه المناطق. الأمر الذي ولّد معاناةً ألقت بظلالها على الجانب السكاني والعسكري لريف حماة.
ثالثًا: الجانب العسكري والديمغرافي
يسكن مدينة حماة حوالي 900 ألف نسمة من أصل 2.100 ألف نسمة، وهم يتوزعون على الريف وخاصة الغربي كون القسم الشرقي صحراوي، إضافةً إلى السكان المجهرين قسريًا الذي نزحوا إلى المنطقة وباتت أعدادهم تتجاوز عدد سكان القرى وهو ما ولد صعوبات اقتصادية إضافةً الى الصعوبات السابق ذكرها. وتعتمد حماة في موادها الغذائية والتجارة والصناعة الغذائية بشكلٍ كلي على الريف. وتعتمد معظم مناطق سوريا على ريف حماة الشهير بالأجبان والألبان والمواشي من الأغنام، وقد شارك سكان هذا الريف بفعالية في الثورة خلال طورها السلمي والذي تحول نتيجة قمع النظام ومجازره إلى الطور العسكري، متوزعًا بين فصائل جيش حر وأحرار الشام وتحرير الشام. وضمن معارك السيطرة على المعابر، عمدت الفصائل إلى استغلال حاجة السكان إلى العمل والأموال لتجنيدهم بحجة أن هذه المعابر نقاط تماس مع النظام، ومن ثم تحول المقاتلون إلى مهنة العسكرة التي حلت مكان المهنة الأصلية وقد تفاقمت هذه الظاهرة مع إهمال المعارضة السياسية متابعة تلك المناطق اقتصاديًا والتنسيق مع المنظمات الإغاثية والمجتمع المدني للمحافظة على الصناعات المحلية والزراعية في تلك المناطق و تطويرها ومنع تحولها إلى العسكرة. حتى الأمم المتحدة كانت تساهم في الضغط على تلك المناطق عبر حصر إيصال المساعدات الإنسانية على تلك المناطق عن طريق الحكومة السورية.
إنّ التغيرات التي طرأت على المواطنين في ريف حماة الخاضعة لسيطرة المعارضة والمناوشات اليومية للتحكم بمصادر الاقتصاد سواء المعابر أو الحواجز وصعوبة العمل والعسكرة وغياب التخطيط وأي بارقة أمل في المستقبل جعل الحالة النفسية في أسوأ وضع، لدرجة أنّ السكان باتوا لا يكترثون للجهة التي تحكمهم طالما أنها ستؤمن مستلزمات الحياة في حدّها الأدنى من كهرباءٍ وعملٍ وتعليمٍ، يمنح هذا الأمر القوات النظامية انتصارًا سريعًا مقارنةً بباقي المناطق التي لها خصوصيات تجعل المقاومة أشرس وأعنف.
إذًا سيطمح النظام إلى دخول مناطق ريف حماة التي تمتلك من ناحية بوابةً على إدلب معقل تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) وبقية الفصائل التي يصفها النظام وحلفائه بالتنظيمات الإرهابية، وتمثل الحاضرة الغذائية والصناعية كما تطل على عدة طرق مدنية وإمدادات عسكرية تجعل أي معركة مهددة بالفشل دون سيطرة النظام عليها. كما أن هذا الريف يعتبر مركزًا داعمًا للمعارضة وخاصة وأنّ آثار أحداث الثمانينات وما شهدته من تنكيلٍ لا زالت محفورة في ذاكرة سكان هذا الريف، كما أنها تطل على المناطق الموالية للنظام في حمص وريفها، وتهدد مطارها الاستراتيجي، لذا إن كان النظام يسعى لاستعادة سيطرته على الشمال السوري لا بد من الاتجاه إلى ريف حماة وصولًا إلى ريف الساحل بحيث تغدو إدلب محاصرة بين قوات النظام وقوات “ pyd “ أو ما يعرف بـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).