الرئيسية » الجوع يهدد بنية المجتمع السوري

الجوع يهدد بنية المجتمع السوري

بواسطة Nour sy

اقتصادي – خاص:

اعتاد السوريون تقديم القهوة كنوع من الترحيب بالزوّار، ويعتبر فنجان القهوة أساسياً في كل زيارة، وأقل ما يمكن تقديمه للحفاظ على عنصر المودة والترحيب بالضيف فيقال “لو قدم فنجان من القهوة على الأقل”، إلا أن هذا الفنجان تجاوز دلالة الترحيب، ليصبح له حيز زماني خاص به في العادات اليومية، وتحول إلى جسراً لبناء العلاقات، وعنصراً هاماً في مختلف المناسبات السعيدة والحزينة.
أما اليوم، فلم يعد السوري، في مناطق سيطرة حكومة النظام، قادراً على تقديم هذا الفنجان، نظراً لارتفاع كلفة تحضيره، فوصل سعر الكيلو الواحد من البن إلى 175 ألف ليرة، وهذا الرقم يتجاوز راتب شهر للموظف، يضاف إلى ذلك كلفة الغاز المستهلك في عملية التحضير، والتي قد تكون شديدة الارتفاع في حال تم الحصول عليها من السوق السوداء.
ويرفق السوريون ضيافة القهوة عادة بكوب من الماء، الذي كان يقدّم من أجل إزالة أي نكهات بالفم تعكر الاستمتاع بالقهوة، وسابقاً كان شرب الماء قبل القهوة يدل على أن الضيف جائع، حيث سرعان ما يندفع المضيف إلى سؤال الضيف: هل نتناول الطعام قبل القهوة لأجل الاستمتاع بها؟ لكن ومع الغلاء الفاحش وتدني مستوى المعيشة لمعظم الشعب السوري، كيف يتم إكرام الضيف والمضيف نفسه جائع !
يتعدى إكرام الضيف العادات السورية، فالأتراك من شعوب آسيا، وتتمتع بهذا النوع من الكرم، إذ يتم تقديم الطعام للضيوف، وكذلك الأمر في كوريا الجنوبية، التي تشتهر بأن السؤال بين شخصين حين يلتقيان ليس كيف حالك؟، بل هل أكلت؟
والسبب في هذا، هو أن الكوريين لديهم قناعة تفيد بأن الجوع له علاقة بالمزاج، ولأنهم كذلك يعتقدون أن تفويتك لوجبة من الوجبات (فطور، غداء، عشاء) هو نذير شؤم.
فلو أجبت عن سؤاله بـ “لا” فسوف يتركك ولا يتبادل معك الحديث، لأنك بحالة مزاجية غير جيدة، أو على الأقل سوف يحضر لك طعام لو كان يريد الحديث معك في أمر هام.
ويعود تاريخ هذه العبارة إلى أوائل الخمسينيات، بعد الحرب الكورية، وبسبب المجاعة كان السؤال “هل أكلت؟” – من منطلق الاهتمام الحقيقي برفاهية الإنسان-، فإذا أجاب بنعم، تكون هذه علامة على أنه بخير.
وبالعودة للسوريين، وإذا اسقطنا المعتقد الكوري الجنوبي على العائلة السورية المكونة من 5 أشخاص، والتي يتراوح دخلها الشهري بين 10 -50 دولار، في حين الحد الأدنى اللازم للمعيشة هو 700 دولار، نجد أن السوريين يعيشون في قاع البؤس، وهذا البؤس يخلق فجوة يتم تكييفها من خلال إدارة الفجوة بين الدخل وبين الحد الأدنى من المال الذي تحتاجه العائلة، عبر استراتيجيات مختلفة.
فقد تراجعت مكانة العادات الاجتماعية في حياة السوريين، وما يرافقها من كرم ضيافة يتجاوز فنجان القهوة إلى سفر الطعام، واضطر كثير من السوريين إلى إلغاء الاجتماعات غير الضرورية، في حين أن 35% من العائلات باتت تعتمد على المساعدات الغذائية من المنظمات حسب “برنامج الغذاء العالمي”، وحوالي 6% من العائلات في مناطق النظام تعتمد على الحوالات لمواجهة الفقر والتضخم، وفقاً لشركات الصرافة التي بينت أن حجم الحوالات بين الرسمية وغير الرسمية تصل لحدود مليون دولار يومياً، أما باقي العائلات اعتمدت استراتيجيات متعددة سواء من خلال تقليص الوجبات واختصارها، أو دفع كل أفراد الأسرة القادرين إلى العمل بغض النظر عن جنسهم أو سنهم، الأمر الذي أدى إلى انتشار الرشاوى والفساد.
وما لا شك فيه أن حالة الجوع التي يعيشها معظم أفراد المجتمع السوري، تؤثر على المزاج العام لكل شخص، فباتت سمة العصبية شائعة وظاهرة في أحاديثهم والعبارات التي يتداولونها، مثل “ماشي الحال”، “عم ندبر حالنا”، إلا أن الخوف من آثار العصبية يتعدى المخاوف على واقع الصحة والخريطة الصحية والدوائية بسوريا، فهناك مخاوف تتعلق بطبيعة الأعمال، وشكل التعاضد المجتمعي، حيث أصبح السوريون في الخارج، مقتنعين بأن الحل السلمي بات بعيداً، وتشكلت لهم في مناطق اللجوء، عادات مجتمعية واقتصادية جديدة، تجعل استمرار التواصل مع الداخل أمراً بالغ الصعوبة مع مرور الوقت، مع التذكير بأن 35% من العائلات في الداخل السوري تعتمد على المقيمين في الخارج.
كل هذا يجعل السوريين يتذيلون قائمة دول العالم على مؤشر السعادة، وهذا ما سوف يؤثر مستقبلاً على خيارات المستثمرين بالدخول إلى السوق السورية، فهذا المؤشر يتعلق بنصيب الفرد من الناتج المحلي، الذي من خلاله يمكن قراءة القوة الشرائية ونموها، لمعرفة انعكاسه على الاستثمار و نموه، وعلى الدعم الاجتماعي من قبل الدولة وعلى المجتمع لدراسة سلوك الأفراد، وبالتالي التنبؤ من حيث أمان الاستثمار والسلوك الاستهلاكي، كما يعكس حجم الفساد وهذا أمر بالغ الأهمية للاستثمارات، والثقة المؤسساتية، وبالتالي القانون ونفاذه، وهوة ما يعتبر من المؤشرات التي تشجع على الاستثمار أو تلغيه.
إن الجوع في سوريا، ليست مشكلة اقتصادية بحتة، إنما لها جذور اجتماعية، أي أنها تنعكس سياسياً وتنعكس على العلاقة بين المجتمع السوري بالداخل والخارج.

اترك تعليق

مقالات ذات صلة