الرئيسية » “بردى” لماذا الإصرار على استثمارها ؟

“بردى” لماذا الإصرار على استثمارها ؟

بواسطة يونس الكريم

“بردى” حصان طروادة لدخول ايران الى العاصمة السورية

لم يكن إصرار إيران على الاستيلاء على الشركة العامة للصناعات المعدنية “بردى” ينبع من قيمة اقتصادية فقط

أو حتى محاولة للحصول على استثمارات تسللت من مخالب الدب الروسي

إنما “بردى” تحكي قصة طويلة لمحاولة نظام الأسد إعادة هيكلة الدولة السورية ،وعندما سمحت الفرصة للإيراني بات متمسك بهذه الفرصة ،ففي كل لقاء يؤكد على رغبته باستثمار “بردى”؟
فقد أكد وزير الصناعة لحكومة النظام السوري “زياد صبحي صباغ” أن الوزارة تعمل ضمن أولوياتها على إعادة تشغيل كل الشركات المتوقفة حيث يتم العمل ضمن إطار التشاركية سواء مع المستثمر الوطني أم مع الدول الصديقة.
وعن لقائه مع الوفد الإيراني الذي يضم ممثلين من شركة “أمرسان” الإيرانية المتخصصة في إنتاج الأدوات المنزلية

قال “صباغ”: أن اللقاء جاء بهدف الاستثمار مع وزارة الصناعة في إطار التشاركية عبر شركة بردى للصناعات المعدنية حيث تم الاتفاق مع الوفد الإيراني بشكل مبدئي على تقديم دراسة تفصيلية حول رؤيتهم لتطوير خطوط الإنتاج في شركة بردى.
و “بردى”هي الشركة العامة للصناعات المعدنية تتبع للمؤسسة العامة للصناعات الهندسية،

وتعتبر شركة صناعية متخصصة في إنتاج الأدوات المنزلية من برادات، وغسالات، وأفران، ومبردات ماء، وطناجر ضغط، وغيرها، تأسست في العام 1957، وجرى تأميمها في العام 1963.
وعانت بردى تاريخياً من الهدر والفساد، كغيرها من شركات القطاع العام، مما أرهقها وأدى لسحبها تدريجياً إلى ضفة الشركات الخاسرة أو المخسرة رغم أنها تمتلك موثوقية لدى المستهلك السوري من حيث جودة المنتجات منذ الثمانينات وحتى العام 2005.

ومرت “بردى” بأزمات مالية بسبب بعض الإدارات التي تعاقبت عليها، التي اتبعت سياسات تهدف إلى تحقيق فوائد لمنفعتها ومصلحتها الشخصية، عدا عن تعليمات غير قانونية من قبل النظام، ومن هذه الأزمات:

1- قدم الآلات التي يصل عمرها إلى أكثر من ستين عاماً، حيث افتقدت “بردى” كغيرها من شركات القطاع العام للصلاحيات اللازمة لتجديد أصولها والدخول في سياسات تسويقية صحيحة، إضافة إلى عدم السماح لها بتنويع منتجاتها، مما أدى إلى خلل في السياسات الإنتاجية والتسويقية لديها على حد سواء.
2- التفريط بالخبرات: اتخذت وزارة الصناعة قراراً بندب عمال “بردى” باعتبارهم عمالة فائضة لديها، ونقلهم إلى شركات أخرى.

وفي 23 آذار/مارس 2014 جرى اجتماع بين المدير الإداري في وزارة الصناعة والمدير الإداري في الشركة العامة للصناعات المعدنية “بردى” أُعلمت إدارة “بردى” شفهياً بهذا الاجتماع عبر منشور وكالة انباء سورية بضرورة نقل 45 عاملاً من “بردى” لصالح شركة الشرق العامة ،وغالبيتهم من الكوادر الشابة المهنية والخبيرة والمدربة في عملية إنتاج البرادات والغسالات والأفران وغيرها من الأدوات المنزلية ولا علاقة لهم ولا خبرة في إنتاج الألبسة الداخلية!.
وتكررت عمليات النقل للعمال في الفترات اللاحقة، حيث ورد الكتاب رقم 2045/ص2/4/10 بتاريخ 2/7/2014 حول ندب /30/ عاملاً من “بردى” لصالح الشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية،

والكتاب رقم 2046/ص2/4/10 بتاريخ 2/7/2014 من وزارة الصناعة حول ندب /50/ عاملاً أيضاً من الشركة لصالح الشركة العامة لصناعة الكابلات بدمشق.
3- الديون على الشركة، والتي قدرت ب 936 مليون ليرة، وهي عبارة عن قروض منذ عام 1920 للمصرف التجاري والصناعي (100 مليون ليرة للمصرف الصناعي و400 مليون للبنك التجاري) والذي تضاعف حيث تبلغ الفائدة السنوية 65 مليون ليرة

إلى أن وصل المبلغ إلى 936 مليون ليرة، والسبب أنه هناك ديون على مؤسسة التجارة الداخلية لم تسدد ثمن مشترياتها من “بردى”، إضافة إلى وجود فساد من أحد المدراء بإعطاء تسهيلات للتجار بـ 340 مليون ليرة دون أن يسددوا ثمن الأجهزة التي اشتروها،

و الغريب أنه محكمة الجنايات لم تنظر بالأمر أو تبت فيه رغم الشكاوى!.
على الرغم من ذلك حاولت شركة بردى النهوض بنفسها أسوةً بغيرها من شركات المؤسسة العامة للصناعات الهندسية، إلاّ أنها قوبلت بمقاومة من حكومة النظام مما أدى إلى فشلها، ومنها:
المحاولة الأولى: طلب قرض من المصرف الصناعي، وقد قوبل بالرفض بسب مخالفته لنظام العمليات المصرفية، إذ يوجد على الشركة قروض سابقة يجب تسديدها قبل الموافقة على القرض الجديد.

وقد حاولت أن تحصل عليها بالاستفادة من المرسوم الجمهوري الذي أصدره بشار الأسد بذلك الوقت حول جدولة القروض

بأن يسدد %10 من القرض كدفعة حسن نية لإيقاف نزيف الفوائد، وإجراء التسوية التي نص عليها المرسوم والحصول على اعتماد مستندي يمكّنها من شراء المواد الأولية لكنه رُفض بحجة مخالفته لمبادئ النظام الداخلي للبنك علماً أن المرسوم مخالف للنظام الداخلي للبنك، كما أن تراكمات القروض المعدومة لدى البنك كانت بسبب مخالفات للنظام الداخلي.
أعيدت المحاولة للحصول على قرض بتوجيه مذكرة في 9/ 7/ 2006
إلى “عبدالله الدردري” (مهندس الخصخصة السورية) الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية،

لكن جوابه كان أن “صناعة الأدوات المنزلية ليست استراتيجية بالنسبة للدولة، ولكن يبدو ثمة إمكانية للنجاح وتلبية حاجات الشريحة العظمى من المواطنين”.
وهنا تؤكد المذكرة على طلب التصنيع لصالح الغير محلي والخارجي، على اعتباره يحقق ريعية اقتصادية للشركة

أي أرباح بمفهوم مبسط ، وسيؤدي إلى استغلال موارد الشركة المتاحة الاستغلال الأمثل وفق محاضر الاتفاق (وهذا أساس المرسوم التشاركي رقم 5 لعام 2006 الذي سوف يكون الأساس القانوني للتضحية بشركة بردى)

حيث أن  العقود الناظمة لهذه الغاية تحفظ حقوق الشركة دون أي انتقاص ودون أن تتحمل الشركة أي نفقة استثمارية لقاء تنفيذ هذه الاتفاقات ودون إلزام الشركة بتسويق أي كمية أو مصاريف التسويق والدعاية والاعلان،

وتقع هذه المصاريف على عاتق الشركة العارضة ويقتصر دور شركة “بردى” على تقديم اليد العاملة وخاصة أن لدى الشركة حالياً 931 عاملاً، وتقديم المباني اللازمة لتنفيذ العقود الموقعة والاستفادة من الطاقة المتاحة للتجهيزات والمعدات الموجودة والاستفادة من مراكز الصيانة وصالات البيع لدى الشركة.
المحاولة الثانية: اللجوء إلى إقامة تعاون مع شركات عربية ذات سمعة تجارية وأخرى عالمية وتم إعداد عدة محاضر اتفاق بهذا الشأن، إلا أن الجهات الوصائية وجهت بضرورة عقد شراكات ومجالات تعاون مع شركات محلية بدلاً من الخارجية.

وبناءً عليه تمت مراجعة جميع الشركات ذات الإنتاج المماثل وقوبلت بالرفض والاعتذار نظراً لاكتفاء منشآتهم بالتصنيع الخاص بهم، حيث كان هناك بوادر لاتفاق مع شركة (صينية – تركية – مصرية)، وكذلك مع شركة أماندا الصينية في العام 2018 وشركة رينوكس الماليزية لتأسيس شراكة من أجل تصنيع وتجميع وحدات معالجة المياه والصرف الصحي وغيره.

المحاولة الثالثة: تعديل رأس مال الشركة من مليون و700 ألف ليرة، (وهنا لابد من الوقوف عند هذا الرقم فيما بعد)،

إلى مليار و200 مليون ليرة حسب آخر ميزانية مصدقة من الجهاز المركزي للرقابة المالية قبل اندلاع الثورة السورية،

لكن دون جدوى وهو أمر شرعي لمواجهة التطور بأصول الشركة واملاكها، على الرغم من أن شركات مثل الزجاج تم تعديل رأسمالها،

إذ ترى الشركة ضرورة الإسراع بالتعديل لتحسين الأوضاع وإعادتها إلى مكانها الطبيعي.

المحاولة الرابعة: حاولت بردى منذ العام 2010 تجاوز تلك العوائق مستفيدة من الظروف التي يمر بها الاقتصاد السوري،

وخاصة مع ضعف القدرة على استيراد المنتجات الكهربائية إلى الأسواق السورية، وعدم توفر قطع التبديل للأدوات الكهربائية للشركات الأجنبية، وغلو سعرها بشكل خيالي،

من خلال تقديم منتجاتها عبر عملية تقسيط، وقد وقع المصرف العقاري والشركة العامة للصناعات المعدنية “بردى” اتفاقاً يتضمن قيام المصرف بتقديم قرض للعاملين في الدولة “الموطنة رواتبهم” لتمويل شراء برادات من الشركة عام 2017، كما سعت لتقديم آلية تصنيع القوالب الجاهزة للمعامل الأخرى التي تستوردها من الخارج، واللازمة لتشغيل معاملهم الصناعية أيضا لتصنيع كافة القوالب البلاستيكية والقطع التبديلية لكافة شركات القطاع العام والخاص لتصنيع الأبراج الكهربائية بالتعاون مع شركة الانشاءات.
المحاولة الخامسة
عام 2021، وتلخصت في تخفيض منتجاتها بمقدار 25% عن سعر مثيلاتها و إعطاء أملاك الشركة للقطاع الخاص استثماراً أو تأجيراً، حيث أوضح المدير العام للشركة المهندس محي الدين عيون، أن هذه العقارات هي عبارة عن أراض ومباني ومستودعات غير مستثمرة، وتهدف الشركة من تأجيرها إلى تحقيق ريعية اقتصادية تعود على الشركة بالمنفعة، وتؤمن لها سيولة مالية تمكنها من دفع المستحقات المترتبة عليها، وتمويل تصنيع وتجميع المنتجات التقليدية والجديدة التي تقع في خطتها في الأعوام القادمة.
وهذه العقارات تتوزع في أربع محافظات وهي ريف دمشق بحوالي 3000 متر في منطقة حوش بلاس على العقار رقم 163، وهي عبارة عن مستودعات واراضي زراعية صالحة لإنشاء معمل والاستخدام كمستودعات، أو أي نشاط تجاري ومساحة 400 متر في مدينة حلب على العقار رقم 7819 وهي في شارع النيل وهي مبنى ومساحة 204 متر في مدينة حماة على العقار رقم 1/7801 وهي أبنية في منطقة نزلة الجزدان، والعقارين رقم 287 و289 في طرطوس/ الهيشة على مساحتي 454 و448 متراً مربعاً وهي عبارة عن شاليهات تابعة للشركة داعية الراغبين بالاشتراك في هذه المزايدة تقديم العروض حسب دفاتر الشروط الخاصة قبل موعد 29/12/2019 على أن تكون جلسة فض العروض في اليوم التالي علماً بأن الشركة سوف تقوم بالتعاقد بالتراضي مع أصحاب العروض المنافسة بعد استيفاء الشروط المطلوبة بموجب دفتر الشروط، والذي يمكن الحصول عليه من مقر الشركة في منطقة حوش بلاس.

المحاولة الأخيرة:
تم نقاش هذه المحاولة في حزيران 2021، بالاندماج مع شركة سيرونيكس بإعادة هيكلة شركتي “سيرونيكس” و”بردى” بشركة واحدة، تحت اسم مقترح هو “الشركة العامة للتجهيزات المنزلية” كونهما تشتركان في الهدف.
ورغم كل هذه المحاولات التي قامت بها بردى إلا أنه بالمقابل كانت هناك محاولات للتخلص منها وإيقاف الشركة عن العمل منذ العام 2007، أيضاً تحت شعار الإصلاح القطاع الحكومي

ويقصد هنا “الدردري” الذي كان يعمل جاهداً لهيكلته مما ساهم بتعقيد الوضع بالشركة العامة للصناعات المعدنية “بردى”، ولم تتوقف المحاولات.
ففي العام 2009 تمت موافقة رئاسة مجلس الوزراء بناءً على توصية اللجنة الاقتصادية

المتضمنة اقتراح وزارة الصناعة على طرح الشركة العامة للصناعات المعدنية “بردى” للاستثمار الخاص المحلي أو الأجنبي

وهي ذات الدعوة للدردري المتواجد باللجنة الاقتصادية، ثم كان طرح تأجير أو استثمار أملاك الشركة بحجة عدم الاستعمال بمزايدة وفق التعاقد بالتراضي.

وهو قمة التناقض مزايدة والتراضي!!

ثم ظهر بعد ذلك الإيراني الذي أبدى اهتمامه بالمؤسسة العامة للصناعات المعدنية “بردى”

و توقيعهم مذكرتي تفاهم مع شركتين إيرانيتين هما شركة “أمرسان” وشركة “واسنوا” المختصتين بتصنيع الأجهزة الكهربائية عام 2017، لافتاً إلى أن التمويل سيتم عبر خط الائتمان الإيراني الثاني (ونلاحظ أن الاتفاق بداية كان فقط على خط الائتماني بتوريد المكونات التي تحتاجها الشركة).
سرعان ما تحول الى اهتمام باستثمار الشركة ككل ويعود الأمر إلى عدة نقاط:
1- المقر الرئيسي للشركة ومساحته 141 دونماً، في سبينة الصغرى جانب القدم البوابة الجنوبية لدمشق وصالة عرض رئيسي بالبرامكة، وهو ما يعني أن إيران استطاعت الهروب من ضغط النظام لإبعادها عن استثماراته بدمشق وعن محاصرة الروس والغرب لهم.
2- العقارات لمعمل بردى الممتدة على أربع محافظات بعضها بقلب تلك المدن مثل حلب وهو ما يشكل اختراق وتوطين حقيقي لإيران.
3- دخول إيران بجسم مؤسسات الدولة والتماهي بها من خلال الصيغة التعاقدية وهي التشاركية.
4- تشكل هذه المؤسسة بادية لاختراق إيران لوزارة الصناعة وقطاعها العام، حيث يشير أحدث تقرير لوزارة الصناعة منشور على موقعهم أن 47 شركة تعتبر من الشركات المتوقفة و لا يوجد جدوى من تشغيلها، في القطاع العام الصناعي،

وهناك 12 شركة من الشركات الخاسرة التي بحاجة إلى تطوير خطوط إنتاجها منها مؤسسات الصناعات الهندسية،

وهنا يعني سيطرة إيران على مساحات واسعة من الأملاك بقلب العاصمة ودخولها مع وزارة الصناعة بعقود تشاركية تجعل وجود إيران شرعي ومتحكم ببنية إعادة الإعمار والإعمار والبنية التحتية،

كما أن وجود عدد كبير من العمالة الرخيصة المدربة يجعلها تستطيع أن تنتج بربح وهذا ما صرحت عنه شركة “أمرسان” الإيرانية بالتصدير إلى الدول المجاورة،

أي خروج إيران من عباءة العقوبات والاستفادة من سورية في حال رفع العقوبات عنها بأي حل سياسي كون سورية تملك 100 اتفاقية دولية ثنائية، وأولوية دخول هذه الشركة بعقود إعادة الإعمار والإعمار كما تمكنها من خلق حاضنة لها من خلال العمال الفقراء الذين سوف ترتبط مصالحهم مع إيران المستثمر الجديد.

 

 

اترك تعليق

مقالات ذات صلة