اقتصادي:
يلجأ النظام السوري للتهرب من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، إلى عدة أساليب تنطوي على استخدام “واجهات” والتلاعب بتهجئة الأسماء، فضلاً عن توفر الدعم من قبل بعض المصارف والدول العربية والأجنبية المتواطئة معه في ذلك.
وكشف تقرير نشره “البرنامج السوري للتطوير القانوني” ومنظمة “بيتنا”، بعنوان “تكتيكات التهرب من العقوبات في سوريا”، تلك الأساليب.
الواجهات:
ويستخدم النظام، بحسب التقرير، أفرادًا وشركات تسمى بـ”الواجهات”، وتنوب عن الشخص المعاقَب في تعاملاته المالية، في سلوك متبع منذ سبعينيات القرن الماضي.
من هؤلاء، رجل الأعمال الخاضع للعقوبات الأمريكية والأوروبية، سامر فوز، الذي يستخدم بطاقة ائتمان سائقه الخاص ليغطي تكاليف نمط حياته، فيما يعتمد أخوه عامر على أصهاره الذين يحملون اسم عائلة يختلف عن اسم عائلته، أما أخته حُسْن، فقد حوَّلت الأعمال التي كانت باسمها إلى زوجها، محمد الجباوي، وفقًا لما قاله أحد الخبراء المشاركين في التقرير.
وتعرضت بعض “الواجهات” للعقوبات، كما حصل لخضر علي طاهر، والذي يُعتقد أنه واجهة لأسماء الأسد، وخالد قدّور، وهو واجهة لماهر الأسد، فيما نجا منها سامر الدبس، عضو مجلس الشعب السوري ورئيس غرفة صناعة ريف دمشق.
ويلجأ المعاقبون، وفقًا للتقرير، إلى الاستعانة بشركات ذات هيكليات معقدة، مسجلة داخل سوريا أو خارجها، وظيفتها التمويه على المستفيدين النهائيين.
ومثال على تلك الشركات، شركة “وفا تل”، المشغل الثالث لشبكة الهواتف المحمولة في سوريا، إذ يظهر سجل الشركات الخاص بـ”التقرير السوري”، عودة ملكيتها إلى سبع شركات أخرى، ولا يقود سبر ملكيات الشركات السبع تلك إلا إلى الكشف عن المزيد من الشركات والأشخاص غير المعروفين مسبقًا.
ولكن التقرير يشير إلى أن أحد مالكي الأسهم الأساسيين هو “وفا للاستثمار” (LLC)، ذات الملكية المشتركة لكل من باسل منصور ويسار إبراهيم، الذي يعد مجرد واجهة للقصر الجمهوري، بحسب ما ورد في التقرير.
تلاعب بالأسماء والتهجئة:
ذكر التقرير أن الشخصيات المعاقَبة، تلجأ في تعاملاتها المصرفية، إلى أفراد ذوي جنسيات أخرى، كمواطني مصر والعراق ولبنان والأردن وغيرها، لتتفادى أن تكون على أسمائها علامة من قبل دوائر الامتثال في المؤسسات المالية.
كما يلجأ بعضهم إلى تغيير تهجئة أسمائهم أو تهجئة أسماء شركاتهم لتفادي اكتشافهم لأطول فترة ممكنة، إذ قد تستغرق السلطات بضعة شهور قبل الكشف والتأكد من أن التهجئة الجديدة تعود للشخص المعاقب نفسه.
وتقدم هذه الشهور القليلة نافذة كافية لهؤلاء الأشخاص للقيام بمختلف المعاملات التي يريدون دون اكتشافها، ثم بعد اكتشافهم يكررون العملية من جديد.
مصارف “متواطئة”:
لا تكون هذه العمليات ممكنة غالبًا، وفق التقرير، إلا بتواطؤ المصرف نفسه، إذ تغطي كثير من المؤسسات الفاسدة، على هذه الممارسات وتدعمها، ومنها مصارف عربية وبريطانية.
وقدّم أحد الخبراء المشاركين بالتقرير، مثالًا عن المصرف القبرصي “أستروبانك” المملوك لمجموعة من الأفراد اللبنانيين، بما فيهم ابن جميل السيد، والذي تربطه صلات قوية مع النظام السوري.
ووفقًا للخبير، فعلى الأرجح أن “أستروبانك” يخفي الأموال المشبوهة في قبرص، لا سيما وأن المدير العام للمصرف هو الاقتصادي اللبناني شادي كرم، وهو أيضا من المقربين من النظام السوري.
ومن المصارف “المتواطئة” أيضًا “بنك سوريا الدولي الإسلامي”، وهو مصرف خاص وخاضع للعقوبات والمساهمون الأساسيون فيه مقيمون في الخليج، وهو متورط في العمل مع أفراد خاضعين للعقوبات، بما فيهم سامر فوز.
ومنها أيضًا “بنك البركة”، والذي له فروع في تونس وتركيا والخليج، وتستخدمه منظمات لتحويل الأموال إلى سوريا من فرنسا عبر فروع المصرف في تونس وتركيا.
الحوالات النقدية غير الرسمية:
ويعتمد رجال الأعمال المعاقَبون، بحسب التقرير، على الحوالات النقدية لتفادي تعقبهم خلال النظام المالي، إذ يسهل، في بعض دول الشرق الأوسط كالإمارات وتركيا، التعاملُ مع كميات كبيرة من النقد، وإيداع مبالغ كبيرة نقدًا من دون أي مشكلة.
ويشارك في التحويلات النقدية أيضًا، أطراف ثالثة، كبعض الشخصيات اللبنانية حول العالم، تقوم بالتحويل بالنيابة عن الفرد المعاقب مقابل عمولة، ما يسمح بتفادي الدخول في المنظومة المالية كليَّا.
وتساعد في ذلك بعض شركات الحوالات المالية، كشركة “الهرم” للصرافة، ذات الانتشار الواسع في سوريا، والتي لها حسابات خارج سوريا، وفي دول الخليج.
وفقًا للخبراء، يقوم مكتب الصرافة في لندن مثلًا بتحويل المال إلى حسابات الشركة، ويقبض المتلقي في سوريا المال بالليرة السورية، أما رصيد العملة الصعبة الموجود في مصرف في دولة ثالثة فيُستخدم من قبل النظام للحوالات المالية الدولية، سواءً كان ذلك لتسديد دفعات ثمنًا لأسلحة من روسيا، أو لسداد ثمن النفط من إيران، أو غير ذلك.
دول عربية وأجنبية تتغاضى أو تتواطأ:
يوفر لبنان، الذي تقع حدوده ومرافئه ومطاراته تحت سيطرة حلفاء للنظام السوري، المكان الرئيسي للتهرب من العقوبات، بحسب التقرير، إذ يسهل استيراد أي شيء إلى لبنان، ومن ثم نقله إلى سوريا دون أي مشاكل.
كذلك تفعل الإمارات العربية المتحدة، التي تشكل نقطة وصل تجاري تربط النظام السوري بالدول الأخرى، وتمر عبرها مختلف البضائع كالإيرانية والصينية، من ميناء “دبي” قبل وصولها عن طريق الشحن إلى سوريا.
وتحتضن الإمارات رجال أعمال مرتبطين بالنظام السوري، كخالد قدّور، وهو واجهة لماهر الأسد وخاضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي، والذي يمتلك مصنعًا للتبغ في الإمارات، ويشحن منتجاته إلى سوريا عبر ميناء “طرطوس”.
في تركيا أيضًا، يمتلك سامر فوز، صاحب الجنسية التركية، وإخوته، شركات تتعامل في مجالات الشحن والعقارات والبناء والاستيراد والتصدير.
كما تتوقف ناقلات النفط التابعة للأخوين القاطرجي، الخاضعة للعقوبات والمعروفة بتزويد النظام السوري بالمشتقات النفطية، بانتظام في الموانئ التركية، وفقًا للخبراء.
وتعد رومانيا الملاذ الأبرز في أوروبا لرجال الأعمال المرتبطين بالنظام، الذي يمتلك سفارة عاملة في بوخارست، ويتمتع بعلاقات قوية مع بعض الأوساط السياسية الرومانية.
السفير السوري في بوخارست وليد عثمان، هو والد زوجة رامي مخلوف، وأبناؤه رجال أعمال نشطون في رومانيا، إذ تتيح لهم الحصانة الدبلوماسية حرية الحركة، بما في ذلك نقل مبالغ كبيرة من النقود في سياراتهم الدبلوماسية في أي مكان في الاتحاد الأوروبي.
كما تعد اليونان ملاذًا آخر للتهرب، إذ اشترت الفوسفات السوري من شركة روسية تعمل في مناجم الفوسفات السورية، وعلى غرار ذلك، شاركت شركات نمساوية في معرض “بيلدكس دمشق 2021”.
“تأشيرات ذهبية” و”جوازات استثمارية”
وتتيح بعض الدول الحصول على جنسيتها وبالتالي جواز سفرها للمستثمرين، مقابل دفع مبلغ من المال، ما سمح لكثير من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، من الحصول على هذه الجوازات، والسفر عن طريقها بحرية إلى الدول الغربية.
وحصل علاء إبراهيم، المحافظ السابق لمحافظة ريف دمشق، على جواز سفر فانواتو، التي تتيحه بكلفة 130 ألف دولار، فيما يمتلك سامر فوز جواز سفر سانت كيتس ونيفيس.
“إعفاءات” من الأمم المتحدة
يستفيد النظام السوري، وفق الخبراء المشاركين في التقرير، بشكل مباشر أو غير مباشر، من الإعفاءات الإنسانية التي تمكن الأمم المتحدة من العمل في سوريا.
وتنفق وكالات الأمم المتحدة ملايين الدولارات في فندق “فور سيزونز” في دمشق، والذي يحمل سامر فوز، المعاقب أمريكيًا وأوروبيًا، الحصة الأكبر من أسهمه.
كما تكشف بيانات مشتريات الأمم المتحدة من العام 2020 أن الفندق وشركته الأم، “السورية السعودية للاستثمارات السياحية”، قد قبضت 15 مليون دولار أميركي من وكالات الأمم المتحدة المختلفة.
واعتمد التقرير، الذي نشر في 31 من كانون الثاني على البحث المكتبي ومقابلات أُجريت مع 12 شخصًا من الخبراء الاقتصاديين، والصحفيين الاستقصائيين، ورجال الأعمال.