اقتصادي – خاص:
تفاجأ العالم يوم الثلاثاء بإعلان روسيا سحب قواتها جزئياً من الحدود مع أوكرانيا، بعد هلع غربي أمريكي من تكرار سيناريو الـ 2014 حين ضمت موسكو شبه جزيرة القرم، لكن الإجراء الروسي أثار الريبة والشكوك فيما إذا كانت لعبة خفية أم أن اتفاقاً يحقق أهداف روسيا، قد تم في الخفاء!
وجاءت عودة جزء من القوات الروسية إلى ثكناتها في اليوم الذي كان متوقعاً أن يتم فيه غزو أوكرانيا، الأمر الذي انعكس مباشرة على الاقتصاد العالمي بانخفاض سعر النفط والذهب.
ومع عدم الوثوق بموسكو، إثر قيامها بخطوات عسكرية مفاجئة في السابق، يبقى الحديث عن المنافع التي ستعود على روسيا جراء الانسحاب والتراجع عن غزو أوكرانيا، دليلاً يدفعنا للتشكيك بمدى جدية موسكو منذ البداية، في القيام بعمل عسكري.
وبموجب تحليلات سياسية اقتصادية فقد بدأت تظهر سيناريوهات مختلفة ، منها ” ماذا ستحقق روسيا من تراجعها عن غزو أوكرانيا من فوائد في عدة ملفات وقضايا ؟ “، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، حيث يحتل هذا الموضوع أهمية لدى موسكو تضمن فرض قوتها في المياه الدافئة عبر ميناء طرطوس على المتوسط، ويعطي لها حصة اكبر بالقضايا الدولية، لذلك كان لابد من ضمان استمرار حليفها النظام السوري، بالضغط على أميركا لتتراجع عن دعم القوات الكردية في الشمال “قسد”، والمسيطرة على اثنين من أعمدة الاقتصادي السوري، النفط والقمح، وأن تجبر “قسد” على تزويد النظام بكميات أكبر من النفط والقمح والعودة إلى مظلة النظام.
وهذا سيؤدي تلقائياً إلى دعم المسار الذي ترعاه روسيا، وبالتالي وأد المسار الذي بدأ يتشكل حديثاً بالتوجه نحو مرحلة انتقالية وتشكيل حكومة تكنوقراط، وهو ما تم الإيحاء له من خلال مؤتمر “سورية إلى أين” ومؤتمرات أخرى .
أما إسرائيل، فقد قدمت الفرصة على طبق من ذهب لموسكو، حين طالبتها بالتراجع عن الغزو خوفاً على رعاياها في أوكرانيا ومصالحها الاقتصادية، ما يفتح المجال أمام موسكو لتطالب بتوقف الضربات الإسرائيلية على مناطق النظام خاصة بعد تهديد المصالح الروسية في ريف اللاذقية وميناءها جراء تلك الضربات مما يكسبها دعم المواطنين مناطق النظام .
بالنهاية ان تمدد روسيا بسوريا يعطي لاستثماراتها الشرعية، ويمكنها من إطلاق اعادة الاعمار، مما يمهد لها بالتوسع الى لبنان والعراق والخليج .
وبالانتقال إلى أفق أوسع، التراجع عن الغزو، سيجنب موسكو خسارة عسكرية كبيرة قد تكون مدمرة ، جراء توحد أوروبي أميركي لمواجهتها، فضلاً عن ضمان ابتعاد قوات “حلف الناتو” عن الحدود الروسية، في ظل تسريبات بوجود تعهد مرسل من البيت الأبيض إلى روسيا بسحب الصواريخ القريبة من الحدود الروسية وعدم ضم أوكرانيا إلى “حلف الناتو” وتخفيف العقوبات الأمريكية على موسكو، وتحديداً تلك المتعلقة بخط نقل الغاز “نورد ستريم 2″، مع عدم القيام بأي نشاط عسكري في المناطق التي تعتبرها روسيا “مجالاً حيوياً” لها.
واستهدفت الولايات المتحدة خط أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا بتشريع عقوبات في 2017 و2019 و2020، وفقًا لخدمة أبحاث الكونغرس، كما فرضت إدارة ترامب في يناير 2021، عقوبات على بارجة مد أنابيب استخدمتها شركة “غازبروم” الروسية لبناء “نورد ستريم 2”.
وفي حال تطبيق ذلك، سيتحول “حلف الناتو” إلى حلف دفاعي، ما يقود إلى تفكيكه من خلال تفكيك العلاقة بين دوله مع واشنطن التي ظهرت متردده غير قادرة على حماية حلفائها ، وبالتالي ستظهر روسيا كقوة دولية عظمى، متغلغلة بقوة في عمق الاقتصاد الألماني، وتحديداً بعد ترشيح مستشار ألمانيا السابق غيرهارد شرورد لعضوية لجنة الرقابة في شركة “غازبروم”.
وكانت مجموعة “غازبروم” أعلنت مطلع فبراير الحالي عن ترشيح المستشار الألماني الأسبق لعضوية مجلس إدارتها، في منصب إضافي يرجح أن يحصل عليه شرودر الذي يرأس حالياً مجلس إدارة “روسنفت”، أكبر مجموعة نفطية في روسيا، كما يرأس لجنة المساهمين في “نورد ستريم 2″، وهو خط أنابيب الغاز الروسي الألماني المثير للجدل، والذي بنته شركة “غازبروم” أيضاً.
وفي سياق متصل، من المتوقع أن تضمن روسيا تفعيل اتفاقية الغاز مع أوروبا عبر أوكرانيا، والتي تؤمن مورداً مالياً يقدر بـ2 مليار دولار لكييف، سيكون على اعضاء “الناتو” في حال عدم تدفق الغاز به إلى تعويض جزء منه حتماً لكييف، في وقت تعارض فيه واشنطن والاتحاد الأوروبي تشغيل “نورد ستريم2” بطاقته الكاملة أي 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً أي أكثر من 50% من احتياجات ألمانيا من الغاز، خوفاً من تحكم روسيا في سوق الطاقة الأوربية ومن ثم العالم ، ومع ذلك قد تحصل روسيا على اتفاق مع أميركا ومن خلفها اوروبا من أجل ضخ نصف الكمية فقط، والتي ستنتهي يتفعيله إلى الطاقة القصوى مع ازدياد الطلب التلقائي بمجرد بدء ضخ الغاز.
ظهرت أميركا في النزاع الأخير مع روسيا، إنها ليست على مستوى المواجهة الاقتصادية، وأن الأرقام التي تنشرها للعلن، ليست حقيقة، فالأمن النفطي والغازي الأميركي بات في مهب الرياح حيث الاحتياطيات الاستراتيجية تأثرت مع مساعدة اوروبا بالغاز، ولم يعد لها الكلمة العليا بسوق الطاقة، حتى انها فقدت قدرتها على التحكم والتأثير في منظمة “أوبك”، ما خفف من وطأة العقوبات التي تفرضها واشنطن اقتصادياً على دول كثيرة مثل ايران وجعل الامتثال لها ليس أمراً ملزماً.
ومع كل تلك الميزات، ستضمن موسكو أن تكون القرم تابعة لها بشكل ينهي الخلاف حولها، وتحصل على موارد اقتصادية رخيصة من أوكرانيا بمجرد الإعلان انها منطقة منزوعة السلاح وممولة من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يمنح موسكو رمزية سيادية تدعم عجرفة بوتين واستعلائه على أوروبا وعلى المجتمع الدولي ، ماقد يدفع بدول أوروبا الشرقية للتفكير بالعودة إلى الحضن الروسي.
إن تحقق ذلك السيناريو المفترض على أرض الواقع، سيكون انتصاراً لروسيا في حرب أكثر كلفة في العالم، دون إطلاق رصاصة واحدة، وهو ما سوف يدعم تحول العالم الى رقعة صراعات لصالح الاقوى !.
في حين تبقى للسيناريوهات الأخرى فرصة للعالم في رسم المستقبل مستقر وان كان عنوانه الحرب ، لأن روسيا قد تكون وحيدة دون دعم الصين وإيران في هذه الحرب المدمرة وبالتالي قد يكون الروس فكروا بهذه السياريوهات لذا كان لابد من الديبلوماسية والتفاوض لدرء الصراع.