منصور حسين
تتجه حكومة النظام السوري نحو المزيد من إجراءات التقشف وتحرير الأسعار لخفض عجز الموازنة، رغم تصاعد التحذيرات من هذا المشروع، جراء ما يعيشه الاقتصاد المحلي من تضخم متسارع وانهيار القدرة الشرائية للسكان الذين يواجهون صعوبات متزايدة في تأمين احتياجاتهم المعيشية.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية ارتفعت أسعار معظم السلع الأولية من فيول وغاز وبنزين واسمنت، فضلاً عن تصريحات وزير الكهرباء التي تمهد لرفع في أسعار المادة، ما عزز مخاوف التجار والصناعيين من تضاعف مستويات التضخم مع زيادة تكلفة حوامل الطاقة.
وتزامنت هذه الإجراءات مع تصريحات رئيس الحكومة حسين عرنوس عن حجم الدعم المقدر بأكثر من 25 ألف مليار ليرة سورية، بزيادة تصل إلى 66 في المئة من قيمة الموازنة العامة لعام 2023، الأمر الذي اعتبر تمهيداً لجولة جديدة من عملية إزالة الدعم الحكومي عن السلع.
التقشف لتغطية العجز
ويواجه السوريون موجة غلاء جعلت الملايين يكافحون للحصول على الغذاء وباقي حقوقهم الاقتصادية، نتيجة الأزمات المستفحلة التي فاقمها انتقال المصرف المركزي إلى مرونة سعر الصرف، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد السلع والبضائع.
ورغم غضب الرأي العام السوري وتصاعد الانتقادات على إجراءات التقشف التي قد تستمر لسنوات قادمة وتؤدي إلى المزيد من البطالة والفقر، فإنه المتوقع أن يتوسع النظام في هذا البرنامج.
ويعتبر الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي أن توقف خطوط الائتمان الداعمة للنظام، أجبرته على الانتقال نحو السوق الداخلية والتملص من مهامه في دعم الاقتصاد والقدرة الشرائية للمواطن لتخفيف الأعباء على الموازنة وتوفير السيولة النقدية.
ويقول ل”المدن”: “تزايدت صعوبات التمويل عموماً بالنسبة إلى النظام، إن كان على المستوى الخارجي مع توقف الدعم النقدي والإمدادات من قبل روسيا وإيران، بالنظر إلى انعدام الشفافية النقدية وتراكم الديون ومخاوف عدم تحصيلها، وداخلياً من خلال وصول عملية التمويل بالعجز سقفها الذي لا يمكن تخطيه”.
ويشير إلى سبب آخر ساهم في عودة النظام إلى السوق الداخلية، متمثلاً بالضغوط التي تواجهها البنوك، وشح النقد الأجنبي الذي أثّر على عمليات التمويل، وانحدار سعر صرف الليرة الذي سرّع من وتيرة التضخم.
ويضيف قضيماتي أن “المصرف المركزي يحاول تدارك الانهيار من خلال خفض قيمة الليرة عبر خطوات تساهم في تخفيف الأعباء النقدية من رواتب وغيرها، وأيضاً إجبار رجال الأعمال على ادخار أموالهم في المصارف لتوفير السيولة وتحريك النقد”.
وصفات مجربة
لكن مدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم يعتبر أن النظام السوري يتبع الأسلوب المصري في معالجة أزماته الاقتصادية، من خلال ترك أسعار السلع للعرض والطلب، وأيضاً العمل على تخفيف الأحمال المالية والديون المترتبة على مؤسسات الدولة.
ويقول ل”المدن”، إن “المواد التي ارتفعت أسعارها مؤخراً تستحوذ على قطاعاتها، التي تمثل عصب الاقتصاد السوري، شركات تابعة لروسيا وإيران، وبالتالي فإن الحكومة تتحمل أعباء دفع الرسوم للشركات مقابل تقديم الخدمات للمواطنين، ومع وصول النظام لمرحلة العجز بدأ بالتخلص من هذه التكاليف”.
أما الخطوة الثانية لتخفيف العجز، بحسب الكريم، فتتمثل بتقليل الشريحة التي تتلقى السلع المقننة ويكون فيها الدولار كلفة أساسية، مع رفع أسعار حوامل الطاقة من كهرباء وغيرها، قبل البدء بمرحلة طرح المؤسسات الربحية للقطاع الخاص.
ويضيف أنه “يجري التمهيد لجعل كل مؤسسة منتجة وذات خدمات إستراتيجية احتكارية معدة للاستثمار عبر قانون التشاركية، إضافة إلى تقليل موازنات المؤسسات العاجزة والخدمية منها على وجه الخصوص، تمهيداً لطرحها للاستثمار مع دخول اللاعب العربي”.
يتفق كثيرون من الاقتصاديين السوريين على نجاح النظام بامتصاص الصدمات السياسية والاقتصادية وتهيئة قاطني مناطقه لمرحلة العجز التام، وجعل منفعة المواطن آخر أولوياته، الأمر الذي أتاح له العمل بأريحية لتنفيذ سياساته الخاصة.
المقالة منشورة على موقع المدن اللبناني