اقتصادي -خاص:
بقلم يونس الكريم
بدأت العقوبات تلقي بظلالها مباشرة على عائلة الأسد، فحتى فترة قريبة كان تأثيرها غير مباشر عليهم أو حتى على الاقتصاد السوري، كان عملها هو التضييق على الأسد ليتخذ قرارات بالتنازل باتجاه الحل السياسي، إلاّ أن إصرار الأسد على سلوكه بأنه هو الحل السياسي وأن الارتباط مع إيران هو جوهري بل وبات التقارب الاقتصادي معها أكبر وترافق ذلك مع انقلاب الأسد على الروس، هذا ما جعل العقوبات الاقتصادية تتحول إلى عقوبات ذكية مشددة، فباتت تصيب عائلة الأسد وبالتحديد أسماء زوجة بشار الأسد التي تدير حاليا أمور النظام اقتصادياً، مما يمكن اعتبار أن هذه العقوبات وعلى خلاف العقوبات الذكية المفروضة منذ عدة عقود، بخدمة الحل السياسي للسوريين إلى حد كبير أو على الأقل باتجاه ضغط على النظام نحو حل سياسي.
لذا أمام بشار الأسد قبيل الانتخابات الكثير للقيام به لكي يستطيع إقناع جمهور الموالين أنه مازال المنتصر وأنه لا يسمح لخصومه سواء داخل النظام أو خارجه بقلب النظام وأن يجبروه نحو اتخاذ خطوات حقيقية باتجاه تحجيم تيار أسماء الأسد ولجمه أو حتى باتجاه الحل السياسي.
إن تردي الأوضاع الاقتصاد الداخلية الأخيرة والتي بدأت تتدحرج ككرة الثلج منذ قيام حكومته بوضع الفئة 5000 ليرة بالتداول في ٢٤/٠١/٢٠٢٠ حيث خسرت العملة السورية 51.73% من قيمتها، مع صمت بالسياسات النقدية عما يحدث بقيمة الليرة، فاليوم لم تعد الفئة ٢٠٠ ليرة قيمتها أكثر٤.٥ سنت وفئة الـ ٥٠٠ قيمتها ١١.١١ سنت (عند سعر 4500 ليرة للدولار) أي خرجت من التداول مما يستدعي إعادة تسعير المنتجات والخدمات.
تشكل الفئات ٥٠٠ و ١٠٠٠ و ٢٠٠٠ العمود الفقري للفئات النقدية المطبوعة وهي الأخرى بات التضخم يلتهم قيمتها، وأن التضخم الحاد الذي كان يعصف بالاقتصاد بدأ بالتحول إلى التضخم المفرط أو الجامح، بحسب الحسابات الاستئناسية يبدأ عند عتبة ٥٥٠٠، علما أنه من الممكن أن ندخله عند عتبة أقل في حال انتشار حالة الذعر بين الناس والتي ستجعلهم ينكبّون على تخزين السلع المتوفرة بالسوق، مما يعني أننا بحاجة لطباعة فئات جديدة أكبر تلبي التسعير وهو أمر غير متوفر للسلطات النقدية في سورية ولا للأسد، لا تقنياً ولن تلقى قبولا من المواطنين.
لذا تنحصر مواجهة الأسد لتردي الوضع الاقتصادي من خلال محاولات أسماء الأسد المتصدرة للمشهد الاقتصادي بإطلاق يد أمراء الحرب في المدن لتخفيف الضغط عن النظام وإيكال مهمة إدارة الشؤون الاقتصادية لهم، لكن الأمر لم يسرِ على ما يبدو كما هو مخطط له، حيث بات لأمراء الحرب تواصل مباشر مع الروس الذين يبحثون عن حاضنة لهم على الأرض من القوى المحلية لتثبيت موقعهم بخريطة الحل التي بدأ تداولها بشكل واضح وكبير، كما حدث مع القاطرجي الذي سلمته أسماء الأسد مدينة حلب ليتقرب بعدها من الروس وينسق معهم بإدارة الملف النفطي دون الرجوع إلى مؤسسات الدولة أي إلى النظام .
إضافة إلى أن أسماء الأسد تحاول أن تسبق أي تغير سياسي قد يفرض على الأسد بإعادة ترتيب الوضع الاقتصادي من خلال افتراس ما تبقى من قطاعات ومؤسسات اقتصادية سورية والاستحواذ عليها بعقود رسمية وإصدار القوانين التي تشرع ذلك وتعيق تغيرها في المرحلة الانتقالية مما يمكّنها من تعويم النظام وتجنب أي ملاحقة دولية للأسد ولأملاكه، على سبيل المثال مشروع “يلبغا “بدأت إعادة إعماره كذلك ماروتا وغيرها من المشاريع ،حتى البنوك يلاحظ أن هناك حركة شراء حصص من البنوك الخاصة مما يعكس التخوف من التغير السياسي القادم.
يمكن لنا أيضا تفسير أن قضية إدارة تردي الوضع الاقتصادي السوري أمر سوف يستنزف النظام ولن يستطيع تجاوزه دون تقديم حل سياسي بالنهاية، لذا يحاول النظام تطبيق استراتيجيات تخفف من حجم خسارته لسلطته وتعطيه فرصة للمناورة وترتيب الجانب الاقتصادي كونه الجانب المهمل من التفاوض على أهميته؟!.
فالحل الذي يريده النظام هو بالترتيب:
أولًا: الحصول على مساعدات دولية سلعية مستعجلة توقف الطلب على الدولار من جهة وتعيد تنظيم السوريين حسب ولائهم، حيث إن المنظمات الأممية بدأت بالدعوة إلى تقديم مساعدات عاجلة لسوريا خوفا من حصول مجاعات لـ 12.5 مليون سوري، دون الإشارة إلى قوانين تحررها من سيطرة النظام عليها أو حتى تمنعه من استغلالها، وهذه المساعدات ستكون صلة النظام للتواصل مع المنظمات الأممية وبالتالي جعلها منصات إعلامية لتعويمه.
ثانياً: طلب قروض من المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي، وهي التي تطلب منه باستمرار تحرير الأسعار وهو ما يتم الآن من رفع الدعم، أن هذه القروض يعتبرها الأسد فرصة لتعويمه (لا نستغرب ظهور دور للدردري بسوريا)، وهذه القروض تساعد عمل مؤسسات الدولة باستمرار خدماتها إن أحسنت إدارتها، وهو أمر يشك به، كما أن هذه القروض تدعم استمرار تحرير الأسعار وخصخصة القطاعات الرئيسية من بنوك وكهرباء وماء وسلع أساسية وتغير بنية القوانين .وهو ما تسعى له أسماء الأسد من شرعنة سيطرتها الاقتصادية.
ثالثا: وهي نقطة خطيرة في حال فشل الأسد بالحصول على قروض سيتوجه إلى عقد صفقات مع المحافظات بحيث يحصلون على تنازلات سياسية مقابل أن يقدم هؤلاء دعما ماديا مباشرا للأسد وتقديم دعم لمؤسسات الدولة من نفط وسلع أساسية ( كاتفاق مع الإدارة الذاتية) وهذا الأمر بغاية الخطورة لأنه يدعم الليرة بالمدى القصير أما المدى المتوسط والبعيد فإنه يعمق انهيارها، إضافة إلى أن هذا الإجراء يهدف الأسد منه إلى تسميم عمل أي حكومة انتقالية إذا ما تم الضغط عليه لتقديم تنازلات سياسية. يدعم هذا الإجراء أمراء الحرب الذين سوف تتم معهم هذه الاتفاقات ويجعل بطبيعة الحال الحكومة مركزية ضعيفة، وستكون بحالة صراع مع باقي الأقاليم ، مما يجعل سوريا دولة ضعيفة فاشلة وهذا النموذج يختلف عن كل النماذج التي تناولها الإعلام من الحالة اللبنانية أو العراقية لأن هذا النموذج ينطلق من تصرف من سلطة داخلية وليس بتوافق خارجي وهو خلط للأوراق، وهذ الأسلوب ليس تقسيما أو حلا يهدف إليه الأسد إنما تدوير للأزمات و إلقاؤها على الحكومة الانتقالية بحيث يصبح القرار ٢٢٥٤ غير قابل للتطبيق، وترسيخ لحرب المافيات وأمراء الحرب.
أما الحل السريع فيكمن على عدة جوانب منها ما هو تقني، يتمثل بإقالة د.حازم قرفول من إدارة البنك المركزي وإلغاء المرسوم 43 وإيقاف قوانين وزارة المالية وإعادة النظر بها منذ وزارة د.مأمون حمدان، أيضا إيقاف عمل شركة دمشق الشام القابضة وإعادة النظر بالتزامات شركائها والحجز التنفيذي على أموالهم لأنها سوف تحصل على قطع أجنبي كبير، محاربة المخدرات بشكل حقيقي لأنها تستنزف القطع الأجنبي إلى جانب استيراد الكماليات .
أما الجانب السياسي من الحل فسيكون بالتقدم للأمم المتحدة بطلب مساعدات تكون بإدارتها لكيلا يتم تأخيرها أو تقليصها خوفا من العقوبات، والبدء بحل سياسي مع أطراف معارضة بشكل جدي وحقيقي مع تقديم طلب إلى أوروبا وأمريكا بتخفيف العقوبات، والدخول مع روسيا بإعادة تقييم الاستثمارات التي تم منحها إياها.
إن أهم عامل للحل السماح للدوائر الجزئية أن تبدأ في سوريا بشقها الرسمي أو غير الرسمي والطلب من السوريين في الخارج بمساعدة السوريين بالداخل من خلال مصالحة حقيقة تبدأ بإلغاء المراجعات الأمنية وحل أجهزة المخابرات غير التابعة لوزارة الداخلية وتقييد عملها بالجهات المنصوص عليها بالقانون حتى يتم البت بها في المرحلة الانتقالية.
المصدر: أورينت