الرئيسية » ملك الاردن : “أنا المملكة ولاك”

ملك الاردن : “أنا المملكة ولاك”

بواسطة يونس الكريم

ظهر ملك الاردن عبد الله الثاني على قناة مونت كارلو على اليوتيوب عبر فيديو مدته ٣٢ ثانية، بدى فيه الملك متلعثم منهك القوى يحاول تعليل ما جاء في وثائق “باندورا” دون أن يحمل كلامه أي واقعية أو منطق مدعيًا بأنه هو الأردن ليس فقط ممثلا لها!.
إن ما نشر ليس إلا محاولات بائسة للنيل من الاردن وهيبتها حسب تعبيره، بل ذهب المدافعون عنه أكثر من ذلك بالربط بين التسريبات واسرائيل التي استعصت على النيل من الملك عبد الله بسبب إفشاله لها بحكمته على ضم الضفة الغربية!.
إن خطاب الملك مشابه لكل خطابات الدكتاتوريات العربية التي يمكن اختصارها ” أنا الدولة ولاك”!، أو الاصح “أنا المملكة ولاك”!.
نسي ملك الاردن والمدافعين عنه أن تمثيله للأردن يبدأ من الجانب الأخلاقي لتصرفاته، لأنه اعلى سلطة بالأردن و جزء من هيبة الدولة ومؤسساتها واحترامها خارج حدود المملكة. عدا عن الجانب القانوني، والذي تم الدفاع عن هذا الجانب من خلال تأكيد ديوانه الملكي أو الأصح مكتب أعماله بالأردن، حسب توصيف “الائتلاف الاردني المعارض” ، على أن اللجوء لإنشاء شركات “اوف شور” هي لأجل سلامة الملك وليس للتهرب الضريبي كونه معفي منها كما أن الشركات التي أنشأها قانونية !، على حد تعبير ديوان الملك.
لكن الحقيقة من حيث إجراءات التأسيس، جميع شركات “اوف شور” هي قانونية ، أما ممارساتها فيما بعد بحسب الغاية من انشائها هي محل خلاف قانوني. والقول بأن انشاء هذه الشركات،يهدف للتهرب الضريبي ليس إلاّ جانب بسيط من الأهداف الخفية لإنشائها ، فمن اهداف تلك الشركات هو اخفاء الاموال عن الدولة التي ينتمي لها المؤسسين من جهة وعلى دول العالم التي تعمل في اسواقهم من جهة اخرى ، بحيث لا يمكن معرفة صاحب الشركة ، وفي حالة الملك عبد الله يمكنه من الاستمرار بأعماله الخيرية والتهام المساعدات الانسانية المقدمة سواء لدولة الاردن او للاجئين، إذ تستطيع شركات “اوف شور” استمرار اعمالها بتقديم الدعم لوجستي لأعمال الجمعيات و تحويل اتعابها إليها بشكل قانوني.
وبلغ رصيد الاردن من المساعدات السنوي الامريكية 660 مليون دولار ثم ارتفع الى مليار ث 1.275 مليار دولار في عام 2018 ( الاردن يعتبر ثالث أكبر دولة متلقية للمساعدات الامريكية ) ، كما ان المساعدات الامريكية دفعت مخصصات اضافية في عام 2013 قيمتها 100 مليون دولار في “البرامج التعاونية للحد من التهديدات ” التي يملك الملك عبد الله مؤسسة للتطوير والبحوث الدفاعية كما منحت أمريكا قروض ميسرة بقيمة 3.75 مليار دولار في الفترة 2013-2015 لم يكن الاردن مؤهلاً لها لأجل مساعدة الاردن على استيعاب اللاجئين.
وحول اموال المساعدات نشر موقع “عمون الاردني” من خلال الصحفي عصام قضماني مقالة واقتبس منها ” هناك فرق شاسع بين حجم المساعدات الخارجية التي يتلقاها الأردن وبين الرقم الذي يظهر في الموازنة العامة كمنح خارجية والنتيجة أن ربع ما يتلقاه الأردن من المنح والمساعدات يذهب لسد عجز الموازنة العامة وما تبقى يستوعبه الاقتصاد دون أن يمر على الموازنة العامة ، مع أنه من الناحية الدستورية يجب ان تذهب جميع إيرادات الدولة إلى الموازنة وتصرف منها حتى لو كانت مربوطة بمشاريع تحددها الحكومة أو الجهات المانحة . أن ما ينبغي أن يتغير إحصائيا هو احتساب القروض الميسرة باعتبارها نوعا من المساعدات مع أنها في نهاية المطاف هي مديونية تستحق التسديد تماما مثل الاستثمارات التي تعتبر المطلوبات”.
اي ثلاثة ارباع الاموال تتسرب خارج مؤسسات الدولة الاردنية دون تحديد ماهي، والتي يسميها الاردنيين حسب توصيف خبير اقتصادي مقيم بالأردن ” بالأعمال الخاصة ” كناية عن شركات النفوذ الملكية .
كما أنه من اهداف شركات “اوف شور”، الحصول على امتيازات من الدولة التي تعمل بأسواقها، مثل السماح لمالكي الشركة بالعمل والتملك في دولة ما تمنع قوانينها رعايا الدولة التي ينتمي اليها مؤسسي الشركة من ذلك ، إلّا في الاطار الرسمي الدبلوماسي، والعقارات لشركات الاوف شور التابعة للملك عبد الله ليست املاك رسمية للمملكة ، بل هي ملكية خاصة تندرج من ضمن الاستثمارات العقارية مما يسهل العمل لشركة الاوف شور الملك للتحرك وممارسة النشاط التجاري بعيداً عن الرقابة فيما لو كانت باسم الصريح للملك (عقارات دبلوماسية)، وهو بهذه الطريقة تستفيد شركات الاوف شور من امتيازات التي تقدمها حكومة الولاية الامريكية لدعم المستثمرين، والتي ستكون مفضلة للملك عبدالله على مراقبة تلك العقارات فيما لو كانت املاك دبلوماسية ، كما انها اسهل بالتسييل وتصرف بقيمها ، ومع التسييل تضيع امكانية معرفة عمل شركة الاوف شور العقارية، أي إن عملها بالعقارات هو كان دور وسيط لشرعنة الاموال ( غسيل الاموال) التي مصدرها قادم من الاردن ذو الاقتصاد الهش الذي يعتمد على المساعدات.
كما من أهداف شركات الاوف شور بالنسبة للملك هو جعل أفراد محددين من عائلته يستفادون من هذا الأموال دون غيرهم ونحن نعلم إن عائلة الملك تعاني من تصدعات لدرجة الانقلاب كما حدث منذ فترة قريبة، وهذا يدل ان الملك خائف من المستقبل.
وتعتبر شركات “اوف شور” أداة مثلى لإخفاء طريقة صرف الأموال وبأي طريقة، مثلما حدث عندما انتشرت إشاعة عن خسارة الملك عبد الله طائرته في لعب القمار بجنوب افريقيا وعاد على متن الخطوط الجوية الأردنية، أو حتى عن فضائح البذخ المالية له ولزوجته ، مع الاحتجاجات الشعبية حول تردي الوضع المعيشي ومراقبة المعارضة الأردنية لهذا البذخ ، وهو ما تؤمنه الشركات الاوف شور، فلا يعرف كيف ينفق الملك الأموال ولا حجمها.
كما انه من اهداف شركات “اوف شور” أن تجعل دائما الملك قوي ماليا وتخفي مالديه من أموال و مصادر هذه الأموال مما يؤمن ولاء له من بطانته ، كما يصعب رفع قضية من احد خصومه او اقربائه او ضحاياه عليه بشكل شخصي أو على أحد من أفراد عائلته بالخارج .
تجعل شركات “اوف شور” عوائد الدولة الموازية بالأردن تسير بسلاسة من تحت الطاولة فلا تظهر، (ويقصد بالدولة الموازية هي المؤسسات التي انشائها لنفسه والتي تستحوذ على العقود الهامة من الدولة الاردنية باستغلال نفوذه وبشبهة فساد) ، كما تخفي الهدايا التي يتلقها الملك لقيامه بأدوار سياسية هنا وهناك ، كدعم العراق او الامارات وحتى لنظام الاسد رغم كل المحاذير الاقتصادية والسياسية التي قد تصيب الاردن من التواصل مع نظام الأسد.
لكن فضيحة وثائق “باندورا” التي لم تنتهي بعد، ليست الاولى لملك الاردن عبد الله الثاني ، ولن تقتصر على اظهار املاك الملك وفتح التساؤل عن حجمها داخلياً ، بل الامر يتعدى إلى تعرض الاردن الى العديد من المسائلات حول مصدر هذه الاموال من قبل الصحافة الدولية والتي تعني بشكل آخر الضغط على المانحين الدوليين لمعرفة مصير أموالهم وطريقة إنفاقها، وخصوصاً أوربيًا وامريكياً وربما بتسريب ما يظهر مصير المساعدات العربية، ليكون الأردن اليوم أمام أحد الخيارات التالية :
1- إما ان يتنازل بسياساته الخارجية لصالح المانحين لاستمرار المساعدات وانقاذ اقتصاده وهنا عليه ان يختار بين المانحين المتعارضين ( العراق _ الامارات _ السعودية _ مصر_ امريكا _ الاتحاد الاوربي ) ، والبحث مع المانح الذي يتفق معه على طرق زيادة المبالغ لمنع اقتصاده من الانهيار
2- أو إن يتجاهل ما يحصل ويحاول ان يتواصل مع كل مانح على حدى ويقدم التبريرات بانها من الاموال الخاصة للملك ، والذي قد يقوده للإفصاح عن جزء من هذه النشاطات ويجعل المملكة وسياساتها رهينة للمانح وتدخلاته، خاصة أن الأردنيون يشيرون بكلمة أعمال الملك إلى الدولة الموازية، عندها سيتشدد المانح أكثر لأن الكثير من الخطط التي تم رصد الاموال لها قد فشلت سواء بما يتعلق بمكافحة البطالة وتردي الوضع المعيشي ودعم عملية التنمية بالأردن او حتى مساعدات اللاجئين .
وبالتالي ان محاولة الملك عبد الله استخدام ورقة اللاجئين و التصادم المجتمعي بالأردن كورقة الضغط على المجتمع الدولي للاستمرار بتقديم المساعدات ، حتى التضيق على اللاجئين لن تكون اكثر من الورقة غير مجدية وهي ذاتها التي لعب بها عون في لبنان.

أهمية وثائق “بندورا” بما يخص الاردن انها تفسر مواقف الاردن الاخيرة بالواقع الاقليمي ، وخاصة الملف السوري وتذبذب هذا الموقف مع المعارضة ثم تدهوره لصالح عودة العلاقات مع الاسد ، كما يلقي الضوء على واقع المساعدات للأردن و اختفائها دون تحقيق أهدافها ، بل قد يقودنا الى معرفة اشخاص كثر بجسم المخابرات لهم دور بشركات اوف شور وعلاقتهم بالقرار الاردني الاقليمي واتجاه.

 

اترك تعليق

مقالات ذات صلة