الرئيسية » عقوبات الغرب على سوريا تثير أطماع الحلفاء

عقوبات الغرب على سوريا تثير أطماع الحلفاء

بواسطة Nour sy

اقتصادي – خاص:

عملت العقوبات الغربية المفروضة على النظام السوري عبر سنوات الثورة، على صياغة نمط وطبيعة علاقاته مع الدول ولاسيما التي يصفها بالحليفة أو الصديقة، فرأت تلك الدول في العقوبات مجالاً لتحقيق أهدافها واستراتيجياتها كلُ بطريقته، وتبعاً لتطورات الأحداث في الملف السوري، كان آخرها النوايا الروسيّة لإحكام السيطرة على قطاع البنوك والمصارف في سوريا، بظل استمرار العقوبات عليه.
ومع إعلان كل من إيران وروسيا دعمهما المباشر للنظام السوري، كان للصين رأياً مختلفاً في طريقة التعاطي معه في ظل ما فرض عليه من عقوبات، واتسم موقفها بالرمادية في الغالب، مع بعض المواقف الموالية للنظام من حيث استمرار علاقاتها الرسمية دبلوماسياً وسياسياً معه.
انعدام الثقة الصينية
فالصين قرأت العقوبات على النظام السوري من عدة نقاط، حيث أنها أولاً لم تثق به كونها لديها تعامل سابق معه في مجال النفط (حقل عودة-تشرين بمحافظة الحسكة)، حيث تعرضت لغش بالعقود الموقعة مع النظام في عام 2007، عندما تم إحلالها مكان شركة “دبلن” الكندية للنفط، فاعتبرت بكين نفسها خاسرة في هذا العقد وتم التغرير بها.
النقطة الثانية أن الصين لم ترغب في الدخول بسجالات وتقديم تنازلات لأجل سوريا على اعتبار أن الأهمية الاقتصادية لسوريا صغيرة وغير هامة مقارنة مع ما هو مطلوب التنازل عنه، سواء بخسارة العلاقات مع الخليج العربي الذي وقف ضد النظام أو في التعامل مع العقوبات الأوربية والأمريكية، فقد كان الملف السوري يحمل درجة عالية من المخاطر.
يضاف إلى ذلك نقطة ثالثة هي عدم رغبة الصين في الدخول بمنافسة مع دول حليفة لها، إيران وروسيا، اللتان أبديتا اهتماماً وانغماساً في سوريا، لذا فضلت الابتعاد رغم محاولات النظام المتكررة لجرها إلى الاستثمار في سوريا.
لقد كان لظهور مؤشرات عدة على سقوط نظام الأسد، دوراً في صرف نظرها عن الاستثمار واجراء أي ممن العقود معه على اعتبارها غير ذي جدوى، خاصة مع حدث من صراع وانقسام بين أسماء الأسد ورامي مخلوف، الذي انعكس سلباً على جدوى الاستثمار في النظام، حيث أن هذا الأمر كان له تداعيات خطيرة من خلال النكوث بالعقود، التي تناوبتها روسيا وإيران.
إيران قبل 2015
قدمت إيران دعهما منذ البداية للنظام السوري لتخفيف آثار العقوبات الغربية والدولية عليه، فقد وجدت أن الاستثمار بسوريا سيشكل ورقة تفاوض مع الدول العربية، بحيث تستطيع أن تضغط بها على تلك الدول للتنازل على ملفات ساخنة لصالحها مقابل ملفات في سورية.
ومع تواصل أحداث الثورة، احتدم الصراع العربي الإيراني في سوريا وانعكس ذلك على عدة ملفات مثل لبنان العراق واليمن، وهذا الانعكاس أضعف أهمية سوريا بالنسبة للدول العربية وأضعف دعمها.
وقبل حلول عام 2015، لم تكن استثمارات إيران الاقتصادية أولوية في سوريا، لأنها كانت الحليف الأقوى والوحيد للنظام، فحتى روسيا كانت تدعم سوريا بطلب من إيران، لذلك حصلت طهران على استثمارات الدول العربية سابقاً في سوريا، كما أنها وجدت، نتيجة قراءتها لبنية النظام، أن التغلغل في بنيته الأمنية والعسكرية سيجعلها تتحكم بالنظام الاقتصادي.
استراتيجية مختلفة
إلا أن نظرة طهران تلك اختلفت عام 2015 عندما بدأ تدخل روسيا المباشر بالملف السوري، حيث بدأت روسيا تستحوذ على العقود الاقتصادية لشرعنة وجودها العسكري، خوفاً من نهاية الحرب، وطلباً لمنح الشرعية لوجودها، فاستحوذت على قطاعات هامة، ما أدى لخلافات مع إيران حول من سيستحوذ أكثر، لتكون النتيجة لصالح روسيا خلال الحقبة الثانية من عام 2015-2022، ومنح إيران استثمارات ذات مدى بعيد، التي تعتبر غير مجدية اقتصادياً ووعود بالاستثمارات مجدية!.
كل ما سبق أدى إلى تغيير الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، فتحولت من البحث عن استثمارات ذات جدوى اقتصادية، إلى استثمارات المكثفة لاستخدام القوى البشرية العاملة، بغية بناء لنفسها طائفة اقتصادية اجتماعية عسكرية تدعمها، يكون الفقراء جزءاً هاماً منها، ما يجعلهم مرتبطين بها ارتباطاً عضوياً، ومؤيدين للنظام الإيراني، ليشكلوا قوّة ضاغطة في الشارع السوري، ويحسب حسابها عند أي اتفاقية، وهي ذات الاستراتيجية التي اتبعتها في كل من لبنان والعراق واليمن.
نجحت إيران في بناء فئة من الموالين لها، كانوا ذاتهم الموالين لنظام الأسد سابقاً، إضافة لبعض المجموعات المهمشة من الطوائف الأخرى في سوريا، كما استفادت من التباعد الروسي مع أسماء الأسد بعد تسريب أخبار عن فسادها وكانت نقطة التقارب في مايو 2020بعد زيارة محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانية.
ما يعني أن نتائج الاستثمار الإيراني في سوريا لن تكون مباشرة على المدى القريب، وإنما يمكن رؤية نتيجة تلك الاستثمارات بالكامل على المدى البعيد، فقد تنجح في المستقبل في تشكيل حكومة إيرانية بسوريا
روسيا: تدخل عسكري واقتصادي ممنهج
اتسم الموقف الروسي إزاء الأحداث في سوريا بالوضوح منذ بدايته، فرأت روسيا في الملف السوري فرصة ذهبية لتثبيت أقدامها على المتوسط، وعلمت على تأمين نقاط استراتيجية عسكرية تؤمن لموسكو سيطرة على البحر المتوسط، ما يمنع وصول النفط والغاز الإيراني والخليجي عبر المتوسط إلى أوروبا والأسواق العالمية.
فلم تعتمد روسيا على بناء تحالفات محلية لها، أو بناء طائفة داعمين لها داخل سوريا حتى انها سربت اخبار عن حياة أسماء الأسد وفسادها وحماية رامي مخلوف من استهدافها وهي وبشار الأسد له، واتجهت علنية للاستثمارات المنتجة للدولار مباشرة، مع تحميل تكاليف تجهيز تلك الاستثمارات على الدولة السورية، مستغلة أنها العنصر الأقوى، مهددة بأن انسحابها سيعني انهيار النظام السوري سواء دولياً أو محلياً بفعل المعارضة المسلحة.
وكان لفجاجة التدخل الروسي والتركيز على الجانب الاقتصادي بتمحور الاستحواذ على المشاريع الاقتصادية الرائدة والتي جزء كبير منها سيادي، دون التدخل لمساعدة حاضنة النظام لمواجهة تردي الوضع لاقتصادي ونقص السلع، رد فعل سلبي الصدى في الداخل السوري، حيث ظهرت أصوات الامتعاض من أنها تعمل على إفقار الشعب والنظام وإضعاف المنطقة لصالحها.
رأى نظام الأسد ذلك ثغرة لابد من استغلالها، فعمل على تضخيمها ليقوم في حال استتب الوضع بالمنطقة، بإلغاء الاتفاقيات مع روسيا، خاصة وأنها اتفاقيات تم توقيعها بمبدأ ثنائي ومخالفة للدستور، أي أنه أي استثمار تم توقيعه بين وزارة سوريّة والنظام الروسي المتمثل بالمقربين من بوتين هي غير رسمية، ويمكن إبطالها بموجب الدستور، باستثناء تلك التي تم توقيعها بمبدأ التشاركية، علماً أن معظم الاستثمارات الروسية هي في مجالات سيادية وفي قطاعات منتجة للدولار ولا تحتاج لتكاليف عند التشغيل.
إن تنفيذ الاستثمارات الموقعة مع روسيا وفق بنود الدستور سيخفض الربح الروسي، لذلك نجد موسكو تحاول تحقيق أكبر قدر من الأرباح لأنها غير متيقنة من استمرار النظام بالحكم، وبالتالي يسعى كلا الطرفين للاستفادة من الآخر ما أمكن.
هل حقاً سيعتمد النظام السوري نظام SPFS الروسي؟
إن الحديث عن توجه سوريا للدخول في نظام روسيا المالي بديل “سويفت” العالمي، لا يتعدى كونه مجاملة لروسيا، وورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي ليرفع العقوبات عن سوريا، قبل أن تنشأ قاعدة اقتصادية عسكرية كاملة لروسيا في الشرق الأوسط على أبواب “الناتو”.
إن التعامل السوري مع روسيا مالياً ضعيف، واعتماد هذا النظام يحتاج لأموال ضخمة، في وقت يتجه فيه التجار السوريون إلى الأسواق العربية والغربية وليس الروسية، كما أن دخول سوريا في نظام SPFS الروسي سيجعل من الحركة المالية ومصادر الدخل لنظام الأسد مكشوفاً أمام الروس.
بالمقابل، تنظر روسيا إلى هذا النظام المالي كوسيلة تحكم بها سيطرتها على القرار السوري، وخاصة في ظل إيقاف تعاملات “ماستر كارد” و “فيزا كارد”، لذا ترغب موسكو بتجهيز البنى التحتية للبنوك، بما يجعل تحويل الأموال التي تحصل عليها روسيا ودفع الرواتب وكل ما إلى هنالك من تحركات مالية، تصبح أسهل ودون مراقبة.
ومن جهة ثانية، وبعد أن ابتعدت روسيا عن السعي لبناء طبقة موالية لها في الداخل السوري، يمكن للنظام المالي في حال استخدامه من سوريا، أن يسهم في بناء تلك الطبقة، من خلال منح التجار تسهيلات وائتمانات من ناحية، ومراقبة حركة أموالهم لمعرفة من هم الذين تبنى عليهم هذه الطبقة بالفعل.
وتم إنشاء النظام الروسي البديل SPFS، عام 2014، على خلفية تهديدات واشنطن، بطرد موسكو من نظام “سويفت” المالي، بعد اندلاع أزمة شبه جزيرة القرم مع أوكرانيا، حيث يبلغ عدد الدول المشاركة في النظام، والتي تتعامل من خلاله 23 دولة من الدول الحليفة لروسيا وتربطها المصالح المشتركة معها.
يشار إلى ان العقوبات الغربية التي فرضت على نظام الأسد تنوعت بين عقوبات ذكية مفروضة على أشخاص، وقيدت حركة أولئك الرجال المالية، وباتوا تحت مراقبة الاتحاد الأوروبي ما أثر أيضاً على حركتهم خارج أوروبا، خوفاً من الوقوع في شرك العقوبات.
أما العقوبات الأمريكية، فكانت قطاعية أي تشمل قطاعات كاملة، بمعنى أنها تشمل الطرف الثالث الوسيط بين نظام الأسد والموردين المتعاملين معه من الشركات العربية وغيرها، ما أدى لتجميد نظام الأسد كثيراً خاصة وأنها شملت القطاعات الأساسية التي تستطيع التعامل مع العالم الخارجية، فقد شملت قطاع المصارف وقطاع الطيران أي الشحن، وقطاع الطاقة بما يشمله من كهرباء ونفط، فضلاً عن تجميد عمليات عسكرية كثيرة، فلم يعد هناك مستثمرين راغبين بالدخول في السوق السورية.
فساعدت العقوبات الغربية، دون دعم سياسي للمعارضة، روسيا في التغلغل الاقتصادي والسياسي مستغلة ضعف النظام الذي لم يتمكن من جلب مستثمرين آخرين يحجّمون روسيا، فضلاً عن ضعف الجانب الإيراني ورفض الصين الدخول في الاستثمار، فجعلت تلك العقوبات نظام الأسد يرضخ لبنود الاتفاقيات الموقعة والتي تعد مجحفة بحقه، ولم يكن ليرضى بها لولا العقوبات التي جعلت كذلك كلفة التعامل التجاري مع النظام الروسي والإيراني أعلى بكثير، الأمر الذي أضعف النظام اقتصادياً محلياً، وهو أمر تحاول كل من روسيا وإيران تثبيته مقابل السماح للحل السياسي بأن يبصر النور، هذا الحل لن يكون إلا بداية لحرب جديدة.

اترك تعليق

مقالات ذات صلة