الرئيسية » ماذا لو أصر النظام على رفض الحل السياسي!

ماذا لو أصر النظام على رفض الحل السياسي!

بواسطة Nour sy

اقتصادي – خاص:

تشير القراءة الاقتصادية للموازنة العامة للدولة لعام 2023، والتي أعلنت عنها حكومة النظام في التاسع من ديسمبر إلى وضع مأساوي ، حيث بلغت قيمة اعتماد الموازنة 16550 مليار ليرة دون تحديد سعر للدولار في الموازنة، والذي ارتفع منذ ٢١ يوم بمقدار ١٦% ولازال الارتفاع مستمراً مما يخفض من الاعتماد المخصص لها، كما أن بنود الموازنة تشير إلى أن العنوان العام للسنة القادمة سيكون الفقر والبطالة والجريمة وانهيار مؤسسات الدولة وخصخصتها، ١٢الأمر الذي يدعمه سوء إدارة الملف الاقتصادي والاندفاع وراء المصالح الشخصية للنظام ورجالاته.
لقد ساهمت عدة متغيرات في تعمق الأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة السورية، والتي كان أهمها:
أولاً: دخول عام 2023 بميزانية مثقلة بالديون المدورة من عامي 2021 و 2022، إضافة لتغير سعر الصرف الذي استهلك المبالغ المرصودة في الموازنة أساساً حيث دخل عام ٢٠٢١ بسعر صرف ٣٥٠٠ ليرة و أغلق عند حدود ٧٥٠٠ ليرة بتغير+١١٥% .
ثانياً، إصرار مسؤولي الاقتصاد في النظام على مواصلة إجراءاتهم رغم فشلها، وخاصة سياسة البنك المركزي التي تحارب التعامل بالدولار من خلال المرسوم رقم 3 وكذلك وزارة المالية التي فرضت شروطاً على البيوع العقارية، وجمدتها ما خلق كتلة مالية كبيرة من الليرة السورية في السوق تبحث عن ملاذ آمن لها، فازداد الطلب على الدولار والذهب ما أدى لارتفاع سعرهما بشكل كبير.
ثالثاً، الإنفاق اللامهني وغير المدروس، والذي لا يأخذ بالاعتبار الوضع العام وحاجات الشعب وترتيب الأولويات بالنسبة للاقتصاد، حيث يعطى الاستيراد كامتياز لتجار دون آخرين، ما جعل الاستيراد يخرج من دائرة تلبية احتياج السوق إلى وسيلة لجني أرباح طائلة.
رابعاً تعنت النظام فيما يخص المعابر الإنسانية، ما حرمه وحرم المعارضة كذلك من الأموال التي تم إقرارها في مؤتمر بروكسل.
خامساً سياسة المحاباة لأمراء الحرب والمتنفذين، وحرمان باقي التجار من حقوقهم، فقد تم السماح لأشخاص مثل قاطرجي وحمشو باستيراد المحروقات، كما تم إنشاء شركات وهمية عبر الاستحواذ على شركات قائمة مثل تأسيس شركة “وفاتلكوم” التي قامت بابتلاع جزء من أصول شركتي “إم تي إن” و”سيريتل”، فكان لذلك دور في خلق شعور لدى التجار بأن سوريا ليست مكاناً آمناً للعمل فيه.
سادساً وليس أخيراً، الظروف الدولية التي يمر بها حلفاء النظام الدوليين كروسيا والإقليميين مثل إيران، وأيضاً فشل تعويم النظام عن طريق الإمارات وعمان والجزائر والأردن، كل هذا الأمر إضافة لفشل المؤسسات التمويلية في تقديم دعم إعادة إعمار سوريا من بوابة لبنان، كل ذلك شكل قناعة راسخة لدى من يملك المال أن الوضع في سوريا لا يسير باتجاه التحسن.
سابعاً، الصراع بين قسد والنظام، فقد اعتبرت “قسد” أن النظام ضحى بها وزوّد تركيا بتسريبات حول أماكن تواجد قادتها، مما أدى الى أزمة المحروقات التي انعكست سلباً بتعميق التضخم ورسوخه.
أما في الخفاء، تبرز أسباب أخرى للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سوريا بكل مكوناتها، وتتمثل بالصدام بين أركان النظام، بين أسماء الأسد من جهة ورامي مخلوف من جهة أخرى، فقد انتهت محاولات أسماء بالسيطرة على مخلوف بتعطيل جزء هام من اقتصاد النظام الذي كان يديره رامي مخلوف وحلفاءه، فضلاً عن الصدام بين أمراء الحرب على تجارة النفط، وما أدى إليه ذلك من تأثير سلبي على التوريدات، فرغم انتصار أسماء الأسد بالنهاية إلا أن نصرها أثار مخاوف أمراء الحرب الصغار الذين حولوا أموالهم إلى دولار، وبالتالي فقدان الدولار من السوق وخلق أزمة حقيقية للنظام.
وعلى التوازي، كان لتحجيم تجارة المخدرات نتيجة تعهد النظام للأردن بتحجيم تلك التجارة مقابل تعويمه عربياً أو تخفيف القيود عليه، أثر كبير في توقف شريان تمويل هام للنظام، خاصة مع تنامي تلك التجارة داخلياً وزيادة المنتج منها، وبالتالي وجود كمية ضخمة من الأموال المجمدة، وأيضاً هناك فشل الدولة اللبنانية الذي ألقى بظلاله على النظام، وإصرار أميركا على العقوبات والعديد من العوامل المساعدة في تنامي الفشل الاقتصادي للنظام.
ورغم ذلك، لم تكن الحلول للخروج من هذا المأزق الاقتصادي مستحيلة تماماً، فهناك بضعة خطوات يمكن للنظام لو قبل بتطبيقها، أن يوقف تدهور اقتصاده، ويفتح المجال لتجاوز العقوبات عليه، فعلى سبيل المثال وكخطوة أولى يمكن إلغاء المرسوم رقم 3 الذي يجرم التعامل بالدولار، وبعدها تطبيق دولرة جزئية بمعنى أن تتم العمليات الكبيرة بالدولار، بينما تبقى العمليات الأصغر بالليرة السورية، مع إزالة قانون البيوع العقارية وفرض تسديد القيم بالليرة السورية لامتصاص فائض الأموال من السوق، ثالثاً السماح للتجار أيا كانوا باستيراد السلع والخدمات وفق الأولويات الأساسية ومن ثم الكماليات، لأن هذا فيه إمكانية لتجاوز قانون سيزر وللعقوبات، رابعاً ومن الأمور الهامة هو تخفيف القبضة الأمنية على حركة الحوالات بما يساهم في تدفق الدولار وتغذية السوق بالقطع الأجنبي، مع السماح للمنظمات الأممية بالعمل في كل الأماكن.
بالمقابل، ومع تعنّت النظام لرأيه، سيتجه لتطبيق إجراءات مغايرة لحل مشكلة نقص السيولة الناتج عن ارتفاع سعر الصرف، وسيقوم بطباعة حوالي 6 تريليون ليرة في الجزائر وضخها في السوق لتأمين السيولة، وبالتالي الوضع الاقتصادي مرشح لمزيد من التدهور، وتشديد القبضة الأمنية على الحوالات سواء ليرة أو دولار، وتوقعات بأن يقوم بتشديد الخناق على من بقي في الداخل لمنعهم من السفر، بهدف استخدامهم كورقة ضغط على الدول المجاورة والتهديد بانهيار الدول مالم يتم إنقاذه وفق شروطه.
إن تحقق الرؤية السابقة، لن يكون له نتيجة إيجابية ولن يبقي أي ضوء في آخر النفق ليتأمل به السوريين، الذين سيعاصرون خصخصة القطاعات العامة ومؤسسات الدولة وإطلاق يد أمراء الحرب للمشاركة بالاقتصاد السوري، وتحوّل الدولة السورية لعملية غسيل أموال ضخمة لمجرمي الحرب مع زيادة تجارة المخدرات واستقطاب المافيات والجريمة المنظمة.

اترك تعليق

مقالات ذات صلة