اقتصادي – خاص:
تحاول روسيا جاهدة ترتيب ملفاتها الخارجية لتعزيز تواجدها الدولي قبيل القرار الذي سوف يبنى على نتائج معركة سوليدار الأوكرانية والجلوس على طاولة المفاوضات، حيث تسعى من ترتيب ملفاتها، إلى التأكيد على تواجدها الدولي من جهة، وبناء تحالفات لها لتكون قواعد اقتصادية وعسكر٠ية وسياسية تدعهما.
وترى موسكو في علاقتها مع أنقرة، أحد أبرز تلك الملفات التي تطمح من خلالها روسيا، لجعل تركيا طريقاً لعبور النفط والغاز بدلاً من أوكرانيا بما يضعف اهتمام “الناتو” بها، ويضمن تراجع دعم أنقرة لأوكرانيا في إطار الحياد، الأمر الذي يكسب روسيا نقاط قوة على اعتبار أن أول الخسائر الروسية في حربها ضد أوكرانيا كانت بواسطة “بيرقدار”، الطائرة المسيّرة التركية التي استخدمتها القوات الأوكرانية ضد الروس.
وعلى التوازي، ترغب موسكو في جعل تركيا جناحاً إسلامياً يضم السعودية، يقف في وجه حلفاء أوكرانيا من دول الغرب في حال التصعيد لكسب اصوات دولية داعمة لها.
لم يكن نظام الأسد بعيداً عن رغبات حليفه الروسي، حيث استجاب لرغبات موسكو واستغلها لبناء استراتيجية تفاوضية مع تركيا، بشكل ينتهي وفق مصالحه، ويعزز سيطرته على الجغرافية السورية، فضلاً عن فتح المجال أمامه لدخول تحالفات جديدة تخفف شدة العقوبات الأمريكية وتمهد للمفاوضات مع واشنطن.
مصدر خاص تحدث لـ”اقتصادي” عن مضمون رسالة بعثها رأس النظام بشار الأسد إلى تركيا عبر المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف خلال لقاء جمعهما يوم الخمس 12 كانون الثاني/ يناير الحالي.
فحسب المصدر، إن استراتيجية النظام التي تم إرسالها، تحاكي اتفاق المصالحة الذي تم التوقيع عليه في ٧ تموز / يوليو ٢٠١٨ برعاية روسيا، حين تم التوافق بين النظام السوري والاردن برعايه روسيا و أماراتية على اجراء مصالحةمع اللمعارضة المتواجدة بجنوب سورية والتي كانت بداية، لتليها باشهر عرض النظام على تركيا برعاية روسيا اتفاقية انشاء منطقة بادلب منزوعة السلاح ، لكن مع بعض التغيرات التي تتماشى مع مطالب النظام والتي يؤكد عليها دائما، حيث تتمحور تلك المطالب بـ:
– اعادة المؤسسات المدنية للعمل في مناطق المعارضة غرب الفرات بإدارة مدنية، وهذا الطلب يتضمن بشكل مخفي عودة التعامل بالليرة السورية.
– تسوية وضع الفصائل المسلحة التي ترعاها تركيا، ويقصد بها “درع الفرات”، والطلب من تركيا تصنيف التنظيمات الجهادية والإسلامية كـ”جبهة تحرير الشام” و”أحرار الشام” كتنظيمات إرهابية، وتعهد تركيا بتسليم المقاتلين الرافضين للتسوية، وتسليم بعض الشخصيات العسكرية المنشقة.
– تسليم ادارة المعابر الحدودية وحراسة الشريط الحدودي إلى قوات حرس الحدود السورية لمنع تسلل المقاتلين سواء من الرافضين للاتفاق أو من مقاتلي المتعاطفين مع “قسد”، وأن يكون هناك جدول زمني لإعادة انتشار القوات التركية بغية انسحابها الكلي من سوريا، وخلال هذا الانتشار، يتم تسير دوريات مشتركة بينهما، بهدف فتح الطريق ونزع سلاح الفصائل، مع تحديد جدول زمني لانسحاب كامل القوات التركية من الشمال السوري وإحلال قوات سوريّة مكانها، تمهيداً لتهيئة الأجواء الآمنة لبدء عمليات التبادل التجاري.
وهنا يبدو وجود اختلاف في هذا البند عما هو وارد في اتفاق عام 2018 من حيث الترتيب، حيث عملت روسيا على ضم مقاتلي المعارضة إلى الفيلق الخامس عبر اللواء الثامن، والذي انتهى باعتقال معظم من دخل في المصالحة ولم يلتزم بما تطلبه روسيا والنظام منه عسكرياً، في حين هُجر كل من رفض المصالحة، إلى مناطق غرب الفرات، وهذا الأمر يدركه المقاتلون المتواجدون في مناطق غرب الفرات، فالمصالحة تعني مذكرة اعتقال مؤجلة، بالتالي لا إمكانية لقبول تشكيل لواء آخر بشمال سوريا.
– إيقاف الدعم العسكري التركي عن المقاتلين الأجانب الذي ينتمي أغلبهم لقوميات تركية (إيغور وأوزبك وشيشان وغيرهم)، تمهيداً لسحبهم من الأراضي السورية، وهذا طلب روسي صيني، وأن إقرار تركيا به هو اعتراف رسمي منها بدعم التنظيمات الجهادية، ما قد يدفعها لاحقاً إلى الدخول في صدام ومواجهة مع النظام الذي سوف يحمّل تركيا خسائره الاقتصادية، نتيجة ادعاءات النظام المتكررة حول تقديم تركيا الدعم لمقاتلي تنظيم “داعش” وتسهيل مرورهم عبر أراضيها إلى الداخل السوري.
– إيقاف نشاط القنوات الاعلامية للمعارضة المتواجدة على الأراضي التركية، وإغلاق مكاتبهم لإظهار الجدّية في السير بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهذا الأمر حقيقة سوف يكون أحد ردات الفعل لأي تقارب، والتي سوف توافق عليها تركيا، كما حدث عند المقاربة مع مصر و الإمارات، حين تم إغلاق قنوات الإخوان والطلب من قادتهم إما اعتزال العمل السياسي أو مغادرة تركيا، إضافة لتجميد أنشطتهم بما فيها التجارية دون مقدمات، رغم أن العلاقات مع مصر لازالت باردة، لكن لا يمكن وصفها بمرحلة عداء، لذا على المعارضة السورية توقع طلب تركي مشابه.
وبناء على ماسبق، يطلب النظام من تركيا مساعدتها بترويض الشمال من ثم انسحابها منه دون التطرق حتى لأبسط مشاكل تركيا التي دفعتها للتفاوض، وهو مصير اللاجئين السورين، كما لا يناقش النظام أيضاً التزاماته بخصوص “قسد”، خاصة وأن بعد تصريح مسؤوليها بأن لقاء مرتقباً بين وفد منها مع الأمن الوطني بقيادة مملوك لتدارك التدخل التركي، ضمن سلسلة لقاءات دورية.
كما أهمل الأسد الجوانب التي تدفع أنقرة لقبول التفاوض معه، لذا يمكن وصف طلبات النظام بالتعجيزية بالنسبة للساسة الأتراك والروس، إضافة ان هذه المطالب لا تحقق مطالب حليفه موسكو!.
ويمكن تفسير السقف الكبير الذي يتضمنه خطاب نظام الأسد، بأنه يبتغى منه الدخول في ماراثون تفاوضي، على نمط ماحدث مع الأردن والتي عملت على تجفيف المعارضة السورية لديها.
فهل توافق تركيا على هذه الشروط كلها أو بعضها خلال ماراثون التفاوض، والتي يعلم النظام ضمناً أنها مجبرة عليه ؟
هل ما يحدث من تغير في الدعم التركي لمؤسسات المعارضة المعارضة السورية هو رسالة أولى لقبول تركيا جزء من الاتفاق أو كله؟ هل محاولات التطبيع انتهت ببن الطرف بان حقق كل من تركيا و النظام بعض من اهدافهم ؟