أعادت العقوبات الأميركية والأوروبية على عدد من قادة الميلشيات التابعة للمخابرات العسكرية لارتباطهم بتهريب المخدرات من الجنوب السوري إلى الأردن، التساؤل عن مكان تواجد قائد “قوات الفجر” راجي فلحوط، والذي يُعد من أبرز هؤلاء المستهدفين، بسبب شبكة علاقاته القوية التي يستخدمها في عمليات التهريب.
اعتقال فلحوط
آثار اختفاء راجي فلحوط قائد قوات “الفجر” التابعة للأمن العسكري في السويداء، بعد الحملة التي شنتها فصائل محلية ضد مقرات المجموعة في بلدة عتيل شمال المحافظة في تموز/يوليو 2022، زوبعة من التساؤلات حول مصيره، وسط اتهامات لحركة “رجال الكرامة” بالقبض عليه وتسليمه إلى شعبة المخابرات العسكرية بالتنسيق معها.
وبحسب ما أفاد مصدر مطلع لمنصة “اقتصادي”، فإن فلحوط، وبعد الحملة ضده حينها، وصل إلى منزله في منطقة قدسيا بريف دمشق، بعد تهريبه من السويداء من قبل شعبة المخابرات العسكرية، لكنه أكد أنه تعرض للاعتقال قبل فترة زمنية، بسبب تسليمه 6 قياديين من “حزب الله” اللبناني إلى القوات الأميركية في قاعدة “التنف” على المثلث الحدودي السوري-العراقي- الأردني.
وأوضح المصدر أن اعتقاله من منزله في قدسيا، جاء بناءً على أوامر مباشرة من قبل اللواء كفاح ملحم رئيس شعبة المخابرات العسكرية، بعد ورود تقارير للشعبة عن تسليمه القياديين في الحزب، والمسؤولين عن تهريب المخدرات في جنوب سوريا، للقوات الأميركية، وذلك بالاتفاق مع القائد السابق لفصيل “جيش سوريا الحرة” (جيش المغاوير سابقاً) العميد مهند طلاع، وذلك لقاء مبلغ 50 ألف دولار أميركي.
كيف تم تسليمهم؟
ولفت إلى أن الاتفاق بين فلحوط والطلاع، جرى عبر شخص من عشائر البدو يدعى غانم البداح. والقياديون بحسب المصدر هم الحاج جهاد، واسمه شريف الموسوي، الحاج عبد السميع، واسمه يعقوب الهق، والحاج تاج الدين، واسمه توفيق زعيتر، والحاج حسن، واسمه أمجد البزال، الحاج قاسم، واسمه علاء الدين حمود، الحاج نعيم، واسمه عبد الله الحاج موسى، وجميعهم من الجنسية اللبنانية.
ويرتبط فلحوط بعلاقة قوية مع رئيس فرع الأمن العسكري بالمنطقة الجنوبية لؤي العلي، والذي كان له دور كبير بإخراجه من السويداء إلى قدسيا للإقامة فيها، بعد الحملة ضده من قبل الفصائل المحلية. كما يرتبط بعلاقة قوية مع الإيرانيين عبر حزب الله اللبناني من خلال عمله في تجارة المخدرات ونشرها في السويداء، وتهريبها للأردن.
و يقول مدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم إن حماية النظام السوري للفلحوط، يدل على أن النظام لايزال يعتقد أن هناك دوراً له خلال الفترة القادمة، وأن ادراجه على لوائح العقوبات يعطي حكومة النظام الاسد أريحية، حيث أن محاكمته داخل سوريا ولو شكلياً، بسبب هذه التهم، تجعل وكأن حكومة النظام الاسد تُنفذ بعض المطالب العربية لإعادة العلاقات معها ، كما يمكن الاستفادة من علاقات فلحوط القوية مع عشائر البدون في الجنوب السوري، وكذلك مع ضباط من “جيش سوريا الحرة” في قاعدة التنف، وبالتالي فإن هذه المنطقة لاتزال مستهدفة بخططه بعمليات تهريب المخدرات.
ويشير الكريم إلى نقطة هامة جداً، وهي أن حكومة النظام الاسد يحاول الضغط على الأردن وانهاكه، من خلال التلاعب به بتهريب المخدرات عبر طرق وهمية، بينما يتم تهريب المخدرات من خلال طرق رسمية (معبر نصيب الحدودي)، وذلك من خلال قادة ميلشيات شكّلتها حكومة النظام الاسد لذلك الغرض، ومنهم فلحوط.
عقوبات أميركية- أوروبية
وقبل أيام، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على عدد من قادة تلك الميلشيات بينهم فلحوط، لدورهم في عملية تهريب المخدرات والاتجار بها، لكن اللافت، أن فلحوط ورد اسمه بالعقوبات الأوروبية، بينما لم يرد في العقوبات الأميركية.
ويقول المعارض السوري في واشنطن أيمن عبد النور لـ”اقتصادي”، إن السبب وراء ذلك هو أن العقوبات الأميركية جاءت قبل العقوبات الأوروبية، وبالتالي ربما لم يتم توثيق قرائن مؤكدة على ارتباطه بتجارة المخدرات لدى وزارة الخزانة الأميركية، عدا عن اختلاف قواعد الادراج الأوروبية عن نظيرتها الأميركية، مشيراً إلى أن ذلك لا يعني أنه لن يدرج بعقوبات أميركية مستقبلية.
من جهته، يقول الدبلوماسي السوري السابق في واشنطن بسام بربندي لـ”اقتصادي”، إن اللائحة الأوروبية هي أوسع من اللائحة الأميركية دائماً، موضحاً أن واشنطن لا تدرج أي شخص في قائمة العقوبات دون وجود وثائق قانونية تثبت تورطه بعمل إجرامي أو إرهابي، وذلك لمنعه من استغلال أي ثغرة قانونية لإزالة اسمه من القوائم، في حال رفع أي قضية لذلك في الولايات المتحدة.
قانون واحد؟
وتتزامن العقوبات الأميركية مع اقتراب موعد وضع الإستراتيجية لقانون “الكبتاغون”، والذي وقّع عليه الرئيس الأميركي جو بايدن بعد إقراره من الكونغرس الأميركي بشقيه (مجلسي النواب والشيوخ) في نهاية عام 2022، ما يثير التساؤل حول ما إذ كان قانونا “الكبتاغون” و “قيصر” أصبحا مُدمجين بقانون واحد، وخصوصاً أن الإدارة الأميركية تتراخى في تطبيق تعليمات “قيصر” التنفيذية.
ويوضح بربندي أن القانونين مختلفين، لكنهما يكملان بعضهما البعض، وتوجد بينهما تقاطعات كبيرة، وذلك لأن مصدر المخدرات هو حكومة النظام الاسد الذي يخضع بنفس الوقت لعقوبات “قيصر”.
بدوره، يؤكد عبد النور أن القانونين منفصلان، ويقول إن قانون “قيصر” نافذاً، ويُطبق، لكن الإدارة الأميركية تتغاضى عن تطبيق بعض بنوده، بينما المشرعون وكذلك الكونغرس، مع تطبيق قاسٍ لجميع بنوده، مشيراً إلى أنه قائم، وعدم تطبيقه من بعض التنفيذين في إدارة بايدن، لا يعني أنهما أصبحا قانوناً واحداً.
وحول ما إذ كان سيتم استهداف هذه الشخصيات المدرجة على لائحة العقوبات بعمليات اغتيال أميركية بالتنسيق مع الأردن، يوضح عبد النور، أنه في نهاية حزيران/يوليو، سوف يُعلن عن الاستراتيجية، لكن مثل تلك العمليات إذا ما تم اتخاذ قرار مشترك مع الدول الحليفة لواشنطن والمتضررة من تهريب المخدرات، فلن يكون ضمن الإستراتيجية المعلنة.
والسبب بحسب عبد النور، هو عدم وجود أي نص قانوني في واشنطن يسمح بذلك، وإذا ما تم التخلص من هؤلاء وصولاً إلى تدمير المصانع المسؤولة عن إرسال المواد الأولية للنظام من أجل استخدامها في تصنيع المخدرات، فسيكون ضمن أنشطة سرية للمؤسسات الأمنية- العسكرية في الولايات المتحدة.