وقّع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على ميزانية الدفاع الأمريكية عن السنة المالية لعام 2023 في 23 ديسمبر الجاري، التي قدمها مجلس النواب الأمريكي (الكونجرس)، متضمنة ملحق يتحدث عن تفكيك شبكات المخدرات التابعة لنظام الاسد ما يعني أن الاقتراح قد أصبح قانوناً، ويشترط مشروع القانون “تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها المرتبطة بالاسد”، وقد تقدم به النائبان فرينش هيل من الحزب “الجمهوري” وبرندان بويل من الحزب “الديمقراطي” بوقت سابق في سبتمبر 2021، حيث تضمن القانون أنه خلال موعد لا يتجاوز 180 يومًا من تاريخ سنّ هذا القانون، يجب على وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ووزارة الخزانة الأمريكية، ومدير إدارة مكافحة المخدرات، ومدير الاستخبارات الوطنية، والإدارة الأمريكية، ورؤساء الوكالات الفيدرالية ذات الصلة، تقديم استراتيجية مكتوبة ل “لجان الكونجرس ذات الصلة”، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، وكذلك الشبكات المخدرات التابعة للنظام السوري.
وبالرغم مما سبق يجب التوقف عند ستة بنود تتضمنها الاستراتيجية، تبدو عباراتها فضفاضة، أبقى عليها الرئيس بايدن دون أن يضيف إليها أي تغير ولو للاستفادة من تغير بحجم ودقة المعلومات بسبب مرور الوقت، ما يجعل القانون ورقة ضغط معنوية دون أي محتوى حقيقي يغير بخريطة هذه التجارة ويقوم بتعطيلها وحتى استهدافها كما جاء بنص القانون.
وهذه البنود:
أولاً، أن تهدف إلى تعطيل وتدمير الشبكات التي تدعم، بشكل مباشر أو غير مباشر، البنية التحتية للمخدرات في نظام الأسد، وتقديم الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي للدول الشريكة والتي تعبر منها كميات كبيرة من للكبتاجون، كما يتم تقديم تحقيقات في مجال إنفاذ القانون وبناء القدرات في مجال مكافحة المخدرات لهذه البلدان ما عدا سوريا.
وقد تضمن القانون بعد توقيع الرئيس بايدن عليه، منحة مالية من الولايات المتحدة بمبلغ 400 مليون دولار لتقوية جمارك وحماية حدود (لبنان- الأردن- مصر- تونس).
وهنا يظهر، ومصر تونس كأحد المستفيدين من المنحة رغم أنها لم تشكل بأي فترة طريق للمخدرات تتبعها مخدرات الأسد أو سوق مستهدفة رئيسية! وهو ما يشير إلى أن هذه المنحة جاءت لتقوية الأمن بهما والتحكم بالجيش وإنشاء نقاط ثقل خلفية للبيت الأبيض بسبب ملفات شمال أفريقيا سواء لليبيا أو الجزائر وغيرها، والذي يمكن ربطه بالتزامات البيت الأبيض التي أقرتها بمؤتمر القمة الأمريكية الأفريقية الذي عقد في 13 ديسمبر الجاري، إضافة أن المنحة إلى مصر هي التفاف على أسباب الخلاف المصري_الأمريكي مؤخراً حول اقتطاع الرئاسة الأمريكية ١٣٠ مليون دولار على خلفيات انتهاك حقوق الإنسان من قبل نظام السيسي وتعويض عنها.
كما أن هذا البند ومن خلال المنحة المالية يحتوي إهمالا متعمدا للحدود البحرية وإهمالا للحدود مع الجانبين التركي والعراقي وخاصة (إقليم كردستان العراق)!، كما لم يفسر هذا البند كيف ستقدم المنحة لدولة فاشلة مفككة مثل لبنان لدعم حدودها خاصة وأن مؤسسة الجيش والجمارك باتتا تحت سيطرة حزب الله شريك نظام الأسد بتجارة الكبتاغون والمخدرات!.
فضلا عن أن الاسد يستخدم تجارة المخدرات كوسيلة لترهيب الدول، بغية إجبارها على تعويمه؛ أي إيقاف هذه التجارة مقابل تنازلات سياسية لنظامه، كما حدث مؤخرا مع التقارب بين الأردن وسوريا.
أما البند الثاني من هذه الاستراتيجية، فهو يطالب باستخدام التشريعات القانونية، بما في ذلك قانون قيصر والقانون الخاص بمحاربة المخدرات وما يرتبط بذلك من إجراءات تستهدف الأفراد والكيانات المرتبطين ارتباطا مباشرا وغير مباشر بالهيكلية الأساسية لشبكات المخدرات التابعة للنظام السوري، ومن قانون المساعدات الخارجية الأمريكية.
وهذه معضلة لا يمكن للأمريكان تجاوزها ببند فضفاض، إذ لا يعتقد بأن السياسة الخارجية الأمريكية والدفاع غير مستعدة لنقاش بهذه الاستراتيجية وقد تستعمل سلطاتها لمنع أي نقاش يقود إلى وضع حلفائها بدائرة العقوبات بسبب المخدرات مثل مناطق الإدارة الذاتية التي تحت سيطرة قوات قيد حليفة القوات الأمريكية والتي قُدم لها بذات التفويض مساعدات مالية وعسكرية، حيث تستخدم معسكرات تمركز قوات قسد كمزارع للحشيش ومعامل للكبتاغون ، وباتت مناطق الإدارة الذاتية مركزاً لتصنيع وتجارة الكبتاغون إلى العراق وتركيا إضافة معبر لمرور مواد اللازمة لصناعة المخدرات الكوكايين الهيرويين بسوريا حسب ما قاله مصدر خاص لاقتصادي، علماً بأن المناطق تضمنت استثناءات سابقة من قانون قيصر Syria Sanctions Regulations 31 CFR part 542 GENERAL LICENSE NO. 22، وما يقال عن مناطق الإدارة الذاتية يقال عن غرب الفرات التي تتورط مليشيات ما يسمى فصائل درع الفرات بعلاقة مع أمراء الكبتاغون من نظام الأسد مثل عائلة القاطرجي، بل أن هناك أكثر من ذلك، ولا بد لنا أيضا من ذكر قاعدة الأنف الأمريكية التي تتمركز مليشيات جيش مغاوير الثورة التي تتعامل مع عشائر من البدو حوران وتجار كبتاغون من هناك ومسؤولين أمنيين من النظام، وملف راجي فلحوط، أحد شبكات المخدرات في السويداء، يتضمن الكثير والذي يعلمه الأمريكان.
أما البند الثالث وهو الضغط الاقتصادي ضد نظام الأسد لاستهداف بنيته التحتية المتعلقة بالمخدرات، وذلك عبر للاستفادة من المؤسسات المتعددة الأطراف، والتعاون مع الشركاء الدوليين والارتباطات الدبلوماسية الدولية لتعطيل البنية التحتية للمخدرات للنظام، وهذا البند قد يحمل في طياته التهديد بالكثير من العقوبات الأمريكية سواء على البنوك المركزية التي تساهم بتبييض أموال المخدرات مثل البنك المركزي اللبنانية بإدارة رياض سلامة أو البنوك التجارية بدبي وسلطنة عُمان حسب مصرح مصدر خاص لاقتصادي بوقت سابق، وهذا لا يتناسب مع سياسة الرئاسة الأمريكية الآن التي تهدف إلى تعزيز الجهود الدولية لثني روسيا عن الاستمرار بالحرب الأوكرانية التي سببت للعالم أزمات اقتصادية متلاحقة، فهل ستكون الاستراتيجية الموعودة قادرة على فرض هذه العقوبات؟.
تفاصيل البند الرابع، والتي تهدف إلى وضع إستراتيجية لتعزيز المؤسسات المتعددة الأطراف والتعاون مع الشركاء الدوليين لتعطيل البنية التحتية للمخدرات في نظام الأسد، تثير تساؤل من الجهات التي سوف تتعامل معها الأمريكيين لتنفيذ هذا البند؟، حيث صرح مصدر خاص لاقتصادي أن مسؤولين بارزين من دول العبور تعمل على تسهيل مرور التجارة المخدرات بشكل سلس ومستمر، وأن العمليات التي يتم القبض عليها هي لإشغال إدارة الجمارك وذر الرماد بالعيون حول أدائهم، وقد ذكر موقع الحرة في ذات السياق، أنه يتم القبض على شحنة واحدة مقابل مرور تسع شحنات أخرى.
يتضمن البند الخامس من الاستراتيجية، تنظيم حملات إعلامية وتعبئة العامة لزيادة الوعي بمدى ارتباط نظام الأسد بالاتجار غير المشروع بالمخدرات، وهذا البند يشير إلى أن مُشرعي القرار لم يقرءوا مئات التحقيقات الاستقصائية فضلا عن الاستخباراتية بأن المخدرات السورية باتت تمول مؤسسات الدولة السورية وأن رواتب الموظفين تمول منها عدا انخراط فئات كبيرة من السوريين بهذا التجارة تحت وطأة طول الصراع وانسداد أفق الحل السياسي والفقر، وأن هذا البند كان من الأولى له أن ينجح في أفغانستان أو بأمريكا نفسها التي زاد انتشار المخدرات، ربما لهذا البند دور إذا ما ترافق مع خطوات حقيقة لإنقاذ مؤسسات الدولة السورية من أيدي النظام وإيران وروسيا التي استباحتها لصالحهم.
والبند الأخير من الاستراتيجية الأمريكية أن يتم وصف البلدان التي تتلقى شحنات كبيرة من“ للكبتاغون ”أو تعبرها، وتقييم قدرة مكافحة المخدرات في هذه الدول على اعتراض أو تعطيل تهريب“ للكبتاغون”، بما في ذلك تقييم للمساعدة الأمريكية الحالية، وبرامج التدريب والمساعدة لبناء هذه القدرات في هذه الدول.
وهذا البند هو ملخص كل البنود السابقة، حيث يتطلب من الرئاسة الأمريكية، أن تتخذ قرارات حاسمة بخصوص هذه التجارة وهي التي تعاني من أوضاع سياسية داخلية سيئة نتيجة التنافس الانتخابي بين الديمقراطيين أو الجمهوريين، أن تتخذ خطوات ضمن هذا القرار، لأنه قد تشعل معه المنطقة الشرق الأوسط نتيجة ما قد تضطره من التدخل في مؤسسات لمكافحة المتورطين.
فالقرار جاء مخيب للآمال فضفاض بالأهداف والتي بدأت من اعتبار أن تجارة المخدرات المرتبطة بالأسد هي الكبتاغون، في حين أنها القشرة لهذه تجارة ليس أكثر، فالأسد وحزب الله (نوح زعيتر أحد زعماء المخدرات العالميين) والحرس الثوري وحتى قيد تستخدم الكبتاغون كوسيلة للحصول على سيولة السريعة، في حين الحقيقية أن تجارة الكوكايين والهيرويين هي جوهر تجارة مخدرات الأسد، فحبة الكبتاغون السورية هي الفينثيلين المخففة تكلفتها نصف دولار وأقل حسب الكمية المنتجة وتباع ب 2.5-5 دولار حسب كمية الوصول إلى السوق، أما الكبتاغون الأزرق cc أو لكزس أو الأبيض أو شمس فيباع ب ٥-25 دولار وكلفته ٢ دولار، أما الكوكايين والهيرويين السوري الذي يباع الغرام الوحد منه بين 250 و 600 دولار… وهذا ما يفسر حجم الأرباح الكبيرة جدا التي يجنيها نظام الأسد، لذا الهدف الرئيسي من هذه التجارة هو تصيد زبائن، كما أنه تكمن صعوبة مكافحة الكوكايين بسبب فتح الطرق لهذه التجارة وقنوات عبر تجارة الكبتاغون، وحتى قنوات الحماية، وقد بدا النظام بإقامة علاقات مع المافيات الدولية والجريمة المنظمة وهو ما ذكره مصدر خاص لاقتصادي وهنا نستذكر ما تم نشره على وسائل الإعلام من إلقاء القبض على برونو كاربوني، كما أن صناعة الكوكايين تتداخل مع الصناعة الدوائية وبعض المواد الغذائية وبالتالي تكمن صعوبة جديدة في مكافحتها.
المشكلة الثانية هي سياسة بايدن غير الجدية في محاربة هذه التجارة (الكبتاغون) وخاصة أن محاربتها تعني فرض حصار بحري جوي بري على نظام الأسد وهو أشبه بإعلان حرب أو على الأقل فرض مناطق حظر جوي بحري بري، كما أن الأمر يستوجب عمليات استخباراتية تطال ضباط ومسؤولين بدول جوار سورية متورطين بهذه التجارة ويعملون على تسهيلها كما صرح مصدر خاص لاقتصادي، وبالتالي الأمر متعلق بخطوات بايدن خلال ستة أشهر.
ثالثاً أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب أن تكون متصلة بغسيل أموال المخدرات.
فهل فعلا ستعمل الاستراتيجية على محاربتها أم إن سيناريو أفغانستان سيتكرر بحيث تصبح هذه الأموال بطاقة شراء المليشيات وبطاقة شراء الولاءات؟.
ولكن إقرار القانون من عضوي الكونغرس جمهوري- ديمقراطي يعطي للمشروع قوة ثبات ومتابعة من حزبهما وبالتالي على مستوى القرار الأمريكية بالسياسة الخارجي، وهي تشكل فرصة ودافع لتتخذ دول أخرى خطوات فعليه في سبيل مكافحة هذا التجارة ومكافحة ال الأسد، والتي من شأنها تحريك الحل السياسي بسورية التي تعتبر اللبنة الأولى والأساسية بمكافحة هذا التجارة، كما أنها فرصة للمعارضة أن تمارس دور حقيقة لإعادة الحياة المطالب الشعبية بإنقاذ سورية عبر مساعدة الأمريكان والدول الفاعلة بتقديم المعلومات، وخلق مناصرة حقيقة لمطالب السوريين بين الدول العالم لتكون وسيلة لاتخاذ قرار وفق البند السابع بفرض الحل السياسي بسورية ومراقبة داعمي الأسد وتجاوزاتهم سواء بتجار المخدرات أو انهيار مؤسسات الدولة، وعدم ترك ملف الأسد على أنه قضية